إن خلق التوكل على الله سبحانه وتعالى من الأخلاق والصفات التى يحبها الله سبحانه وتعالى، والتَّوَكُّلُ فى اللغة ـ كما ورد فى (مختار الصحاح) هو:إظهار العجز والاعتماد على غيرك، والمعنى اللغوى لا يبعد عن المعنى الشرعى، فمع الأخذ بالأسباب والسعى يكون النظر إلى المسبب وليس السبب،فإن السفينة الشراعية تجرى فى البحر بسبب الرياح، ولكن الله تعالى هو مرسل الرياح، إن آيات وأحاديث فضل التوكل على الله والحث عليه لهى أكثر من أن تحصر فى مقال أو عدة مقالات، ولكننا نستأنس ببعضنا، فقد قال تعالى:(وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (آل عمران ـ 122)، وقال:(ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (الطلاق ـ 3)، وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:(لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا) (رواه الترمذى والحاكم)، فهذا الحال فى الطير من التحول من الجوع إلى امتلاء البطن، فما بال المؤمنين الموحدين إذا توكلوا على الله، وفى حديث آخر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذكر أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفًا لا حساب عليهم ثم قال:(هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) (أخرجاه فى الصحيحين)، إن التوكل أساسه التوحيد، فإذا صدَّقَ القلب بالوحدانية، وأن يتأمل العقل ما يقوله اللسان يوميًا فى أذكار الصباح والمساء: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير، فعلى المؤمن أن يدرك أنه لا فاعل إلا الله سبحانه وتعالى، والكل مسخرون له، فلا يعتمد المؤمن على المطر فى خروج الزرع ـ وإن كان المطر سببًا ـ ولا على الغيم فى نزول المطر ولا على الريح فى سير السفينة، فإن الاعتماد على ذلك جهل بحقائق الأمور، ومن انكشفت له الحقائق علم أن الريح لا تتحرك بنفسها، ولا بد لها من محرك، إن المخلوقات فى قهر تسخير الخالق، فسبحان مسبب الأسباب الفعال لما يريد، سنواصل إن شاء الله الحديث فى أمر التوكل وأهميته.
د. أحمد طلعت حامد سعد
كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية