الاثنين 04 أغسطس 2025 م - 10 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

«تغير العقل.. كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا»

«تغير العقل.. كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا»
السبت - 02 أغسطس 2025 01:22 م

سعود بن علي الحارثي

10


تناول كِتاب «مستقبل العقل» نتائج وخلاصات الأبحاث والتجارب وإنجازات العلم الحديث، في الكشف عن أسرار الدماغ وآليَّات عمله ووظائف الفصوص والعصبونات المرتبطة به. وها هو كِتاب آخر، بعنوان «تغير العقل»، يقع في يدي، وأيضًا من بَيْنِ إصدارات سلسلة «عالَم المعرفة»، فتتوالى الدراسات وإصدارات الكتب العلميَّة، في الغرب خصوصًا، متناولةً أبرز الملفات الَّتي تشغل الإنسان اليوم، وأعْقَد القضايا والموضوعات الَّتي يفككها العلم الحديث ويجري حولها أحدث الأبحاث والتجارب... و»تغير العقل، كيف تترك التقنيَّات الرقميَّة بصماتها على أدمغتنا»، يتناول قضيَّة تمسُّ حياة كُلِّ فرد وأُسرة وبيت في عصرنا الحاضر، المستعمرة بحشود من التقنيَّات ومنتجات الذَّكاء الاصطناعي، وعالَم من البرامج والحواسيب والروبوتات ومحركات البحث والمنصَّات ووسائل التواصل الرقمي، الَّتي دخلتْ في كُلِّ مفصل وبرنامج عمل وبحث عن معلومة وإنجاز لمعاملة، وتوثيق الصَّلات والعلاقات والتنسيق والتشارك بَيْنَ أطراف ومجموعات إنسانيَّة تنتمي إلى ثقافات وعوالم ومذاهب وأعمار ورؤى مختلفة، وكُلُّ ما له علاقة ورابطة وصلة وشأن بحياتنا ومتطلباتنا اليوميَّة، والقيام بالنِّيابة عنَّا بأدوار جوهريَّة وثانويَّة... اعتمادًا على أزرار وشاشات مختلفة الأحجام مربوطة بحواسيب وذاكرة وشرائح وشبكات تلفزة وإنترنت... فما هو تأثير هذا التَّحَوُّل أو الثَّورة التقنيَّة ـ الرقميَّة، على عقولنا، أغلى وأثْمَن ما نملك؟ الَّتي أسلمناها لحالة من الاسترخاء والكسل بعد أن أصبحتْ ذاكرتها رهنًا لهذه التقنيَّات نعود إِلَيْها لاسترجاع ذكرياتنا وصوَرنا ونصوص ومذكّرات ما وثَّقناه فيها وأرقام هواتف أفراد أُسرنا وأصدقائنا، ومعاملاتنا وتذاكر سفرنا وحجوزاتنا وغير ذلك الكثير... أعدت «سوزان جرينفيلد»، دراستها «تلبية لاحتياجات مُجتمع عَلَيْه اتِّخاذ بعض القرارات»، وذلك من أجْلِ «تقليل الضَّرر». وبَيْنَ المتشائمين الَّذين يُشبهون عالَم التقنيَّة بـ»حرائق الغابات الرقميَّة»، والمتفائلين الَّذين يصفونه بـ»مدفئة مريحة»، إلى أيٍّ من الجانبَيْنِ سوف تنحاز نتائج أبحاث «سوزان جرينفيلد»، الَّتي حددت بوضوح مقاصدها، «إنَّ الوجود اليومي المتمركز حَوْلَ الهاتف الذَّكي والآيباد، والحاسوب المحمول وأجهزة الإكس بوكس.. قد يغير جذريًّا ليس مجرَّد أنماط حياتنا اليوميَّة، بل أيضًا هُوِيَّاتنا وحتَّى أفكارنا الداخليَّة بطُرق لم يسبق لها مثيل. وكعالمة بالأعصاب فإنَّني مفتونة بالآثار المحتملة للوجود اليومي المرتكز على الشاشات على الطريقة الَّتي نفكر ونشعر بها، وأريد استكشاف كيف يتفاعل هذا العضو القابل للتكيف على نَحْوٍ رائع، أي الدماغ، مع البيئة الجديدة، الَّتي أطلق عَلَيْها أخيرًا اسم «حرائق الغابات الرقميَّة». لقد أكد الافتراض القائم على أنَّ الأبناء في أمان من تأثيرات التقنيَّات بفضل رقابة الآباء والأُمَّهات الصارمة فشلها، «فكثيرًا ما يشكو الآباء من أنَّهم لا يستطيعون السَّيطرة على ما يفعله أبناؤهم على الإنترنت، فيما يئس كثير مِنْهم بالفعل من عدم قدرتهم على إبعادهم عن الشاشة وإعادتهم إلى العالَم ثلاثي الأبعاد..». أعضاء الإنسان، وفي مقدمتها العقل تمتلك خصائص قادرة على التكيُّف مع تطوُّرات الحياة وتَحَوُّلات البيئة، والتعامل مع التقنيَّات الحديثة، شرط التحكم والتوازن في استخدامها، وفق نظريَّة «لا ضرر ولا إضرار»، «يمتلك البشر القدرة على التكيُّف. ذلك هو ما نقوم به بصورة أفضل من أيِّ نوع من أنواع الأحياء الأخرى. وفقًا لذلك، كان أسلافنا يضطرون دائمًا إلى اعتماد عالَم متغير أدَّت فيه الاختراعات والتقنيَّات الجديدة بِدَوْرها إلى توجيه أنماط الحياة والتبصرات والأذواق والأولويَّات..». فبدءًا من المطبعة مرورًا بالمذياع والسيَّارة، الكهرباء والتلفاز والهاتف.. كُلُّها أحدثتْ قلقًا وخوفًا ونوعًا من الاحتجاج والعداء في البدايات، «قَبل أن تدخلَ في حياتنا باعتبارها المحرِّك الموجّه»، الَّذي لم يَعُدْ بالإمكان الاستغناء عَنْها. نُمو مستخدمي شبكات التَّواصُل بشكلٍ مطَّرد والاعتماد عَلَيْها في إنجاز وظائف لا حصر لها واعتبارها واقعًا لا يتصور أحَد العيش بِدُونِها؛ لأنَّ فوائدها تبدو غير قابلة للمناقشة، «كالتسويق المباشر للمستهلك، ومواقع المواعدة، وبناء الوظيفة، والتواصل مع الأصدقاء القدامى..»، هو ما يدعو الكاتبة إلى القلق، متمثلًا في أن يكُونَ «لهذا التواصل الَّذي لا ينقطع تقريبًا عَبْرَ الشاشة سلبيات...». فهي كما أثبتتِ الدراسات العلميَّة تستدرج مستخدميها ليصبحوا متنمِّرين ومركِّزين على الشكل أكثر من الجوهر، فما يهمهم في المقام الأوَّل نشر صورهم الخاصة، وهم يمارسون هواياتهم، أو يأكلون في مطعم راقٍ، أو في نزهة ما، أو سياحة... على حساب المتعة الشخصيَّة والتذوُّق والتفكر والاستيعاب المعمَّق للمعرفة والثقافة، هذا إلى جانب ما تستهلكه من وقت وجهد وصحَّة والتأثير الضَّار على العقل، مركز التفكير والمعرفة والذاكرة والمحرِّك للنشاط وشبكات السمع والبصر واللَّمس والشَّم... «فمن أجْلِ أن ندركَ تأثير هذه التقنيَّات العالَميَّة، الَّتي لم يسبق لها مثيل، والمثيرة للجدل، والمُتعدِّدة الأوجه، على العقل البشري في القرن الحادي والعشرين، سنحتاج لاحقًا إلى النَّظر عَبْرَ منظور العلوم العصبيَّة». تأثيرات التطبيقات والحسابات والبرامج الرقميَّة، ووسائل التواصل، على العقل توجزها «سوزان جرينفيلد» في الآتي: «يمنح الفيسبوك وهم الرفقة من متطلبات الصداقة» الحقيقيَّة والطبيعيَّة المريحة للنَّفس والمعززة لسلامة الروح وطمأنينتها. - علاقات ضارَّة بصحَّة الإنسان، خصوصًا النفسيَّة، بسبب «تناقص التعاطف وزيادة العلاقات عَبْرَ الإنترنت» مما يعمِّق من «مشاعر العزلة، ويُقلِّل القدرة على التعاطف» - «تغذية الجانب غير الآمن والغيور من الطبيعة البشريَّة» - لم يَعُد «التطفل على الأفراد مسموحًا به فقط، بل متوقعًا». دُونَ أن يتناسى الكاتب المنافع الكثيرة لهذه البرامج والتطبيقات والوسائل التقنيَّة فهي مثلًا: تُسهم في خلق «بيئة تعليميَّة معززة تكنولوجيا حيثُ يُمكِن للأطفال البالغين المصابِينَ بطيف التَّوحُّد وأقرانهم ذوي النمو الطبيعي استكشاف وتحسين مهاراتهم الاجتماعيَّة والتواصليَّة...». هل تحفِّز ألعاب الفيديو الانتباه؟ وهل لها القدرة على الإسهام في علاج الاضطرابات الدماغيَّة؟ في هذا المحور، فإنَّ لنتائج التجارب والأبحاث العلميَّة رأيًا مختلفًا عمَّا يتداوله ويعتقده العامَّة حَوْلَ الضَّرر البالغ لهذه الألعاب التقنيَّة على صحَّة الإنسان، وبالأخص العقل، «أكدت دراسات متعدِّدة أنَّ ممارسة بعض ألعاب الفيديو تمنح اللاعب طائفة واسعة من المزايا المتنوعة، بما في ذلك تحسُّن الرُّؤية المنخفضة المستوى، والانتباه البصري، وسرعة المعالجة، وغيرها.. ومن المحتمل أن تكُونَ لممارسة ألعاب الفيديو آثار إيجابيَّة في الجوانب الأكثر تجريدًا للوظائف الدماغيَّة، مثل النُّمو الاجتماعي والعافية النفسيَّة..». تختتم «سوزان جرينفيلد» بحثها بعدد من الخلاصات المهمَّة: لقد «خفت الحماسة تجاه تلك التقنيَّات، فيبدو أنَّ المواطنين الرقميِّين لا يعانون مثل تلك الهواجس» والمخاوف السابقة بدأت في التلاشي – «الحياة عَبْرَ الأنترنت تتيح بسهولة وسائل غير مسبوقة لنيل مكانة متميزة؛ - ما تظهره الطبيعة الإنسانيَّة من مخاوف تُعَد «صورة مبالغًا فيها...».

سعود بن علي الحارثي

[email protected]