الاثنين 04 أغسطس 2025 م - 10 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : الهوية الوطنية فـي مواجهة تدفق العمالة الوافدة: قراءة فـي المؤشرات والتحولات

في العمق : الهوية الوطنية فـي مواجهة تدفق العمالة الوافدة: قراءة فـي المؤشرات والتحولات
السبت - 02 أغسطس 2025 01:02 م

د.رجب بن علي العويسي

30


تُشكِّل الأيدي الوافدة حضورًا واسعًا في التركيبة السكانيَّة لسلطنة عُمان حيثُ تشير الساعة السكانيَّة حتَّى الأحد الـ(27) من يوليو 2025 إلى أنَّ عدد الوافدين بلغ ( 2.305.905) بنسبة (43.34%) من إجمالي عدد السكَّان، وأصبح وجودها يرتبط بمؤشِّرات اجتماعيَّة واقتصاديَّة لها تداعياتها على الهُوِيَّة والمواطنة والعادات والتقاليد والثقافة العُمانيَّة، خصوصًا فيما يتعلق بمنظومة الأمن الاجتماعي وعلاقتها بالظواهر السلبيَّة الفكريَّة والتراجع في القِيَم العُمانيَّة والبناء الأخلاقي والاجتماعي للمواطن العُماني، والارتفاع الحاصل في معدَّلات الجريمة عامَّة والجرائم الاقتصاديَّة والواقعة على القوانين بشكلٍ خاص، حيثُ أشار المؤتمر الصحفي للادعاء العام لعام 2024 إلى تصدر الجرائم المخالفة للقوانين في المشهد الجرمي في سلطنة عُمان من حيثُ حصولها على المرتبة الثَّانية إجمالًا في تصنيف الجرائم، وهو يعكس خطورة هذا الملف الَّذي تتصدر فيه القوى العاملة الوافدة، وأحد الهواجس الَّتي تعيشها سلطنة عُمان في ظلِّ ارتفاع أعداد الوافدين وبشكلٍ خاص العمالة السائبة رغم الجهود الضبطيَّة المتَّخذة في هذا الشَّأن، ويرتبط ذلك بجرائم قانون العمل وجرائم إقامة الأجانب، حيثُ بلغ عدد جرائم قانون العمل (7) آلاف و(571) قضيَّة، ثم جرائم قانون إقامة الأجانب (6) آلاف و(263) قضيَّة ويدخل فيه جرائم أخرى تمارسها الأيدي الوافدة تتعلق بقانون حماية المستهلك بـ(3) آلاف و(340) قضيَّة؛ أو كذلك تداعياتها على البنية الاقتصاديَّة في ظلِّ ما تشكِّله هذه الفئة في سُوق العمل وأنَّ إجمالي القوى العاملة الوافدة في القِطاع الخاص بلغ (2.035.529) مقابل (265.467) للعُمانيِّين فقط، وأنَّ أكثر القوى الوافدة تتركز في فئة الأعمال التجاريَّة بإجمالي (1.651.425) وافدًا، ويمثِّل المشتغلون الوافدون في سلطنة عُمان في عام 2023 (68.6%) مقابل (31.8%) عُماني، وأنَّ (38.6%) من إجمالي شاغلي وظائف مديري الإدارة العامَّة في القِطاع الخاص والعائلي عام 2023 هم وافدون، كما أنَّ (90.9%) من إجمالي شاغلي المهن الهندسيَّة الأساسيَّة والمساعدة في القِطاع الخاص والعائلي في عام 2023 هم وافدُونَ، وشكَّل الوافدُونَ حوالي (12%) من إجمالي المشتغلين في القِطاع الحكومي خلال عام 2023 مقابل (80%) في القِطاع الخاص والعائلي. بالإضافة إلى ما ارتبط بزيادة أعداد القوى العاملة الوافدة من شكاوى حيثُ وصل عدد الشكاوى العماليَّة المعتمدة إلى (36.114)، وبلغ عدد بلاغات ترك العمل المسجَّلة (12.694)، كما بلغ عدد القوى العاملة الوافدة المخالِفة الَّتي تمَّ ضبطها (18.571)، هذه الأرقام باتتْ تعكس حجم التراكمات الَّتي تعانيها ملفات التشغيل والتسريح والعمالة الوافدة، وما باتَ يرتبط بذلك من تحدِّيات اجتماعيَّة واقتصاديَّة، فاستمرار الارتفاع في سيطرة العمالة الوافدة على القِطاع الخاص وحجم القوى العاملة الوطنيَّة فيه الَّذي لا يتجاوز (20%) في التخصصات الهندسيَّة والفنيَّة والأساسيَّة، ثم استمرار وجود الوافدين في وظائف دائمة في القِطاع الحكومي يضع هذا الملف على المحك.

عَلَيْه، فإنَّ هذه المؤشِّرات تتجه نَحْوَ جملة التدابير الَّتي ينبغي اتِّخاذها على مستوى السِّياسات والخطط والبرامج، تبدأ من المُجتمع العُماني نفسه عَبْرَ تعميق الأطر الإيجابيَّة الداعمة لخلق تَحَوُّل نوعي يصنعه المواطن في التعامل مع فرضيات التأثير المتوقعة، والسبب في ذلك هو أنَّ وجود الأيدي الوافدة مسألة حتميَّة، وواقع يَجِبُ الاعتراف به، وهو في الأساس مرتبط بالتَّحَوُّلات السكانيَّة والعمرانيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وزيادة الاستثمارات الأجنبيَّة، ومشاريع البنيَّة الأساسيَّة الَّتي تشهدها سلطنة عُمان، والَّتي أصبحت تتزايد بتزايد حجم هذه المشاريع، مع أنَّ المفترض أن يشكِّل دخول الشَّباب العُماني سُوق العمل مدخلًا للحدِّ من حجم الأيدي الوافدة، إلَّا أنَّ مسألة التنظيم وغياب كفاءة الموجّهات والمزاجيَّة والفردانيَّة الَّتي باتتْ تؤثر في هذا الملف أدى إلى استمرار تدفُّق القوى الوافدة؛ ويبقى حجم الصورة الذهنيَّة الَّتي يتلقاها المواطن من الصدمات اليوميَّة المرتبطة بالأيدي الوافدة مدخلًا لتغيير الصورة وإعادة إنتاجها وخلق تَحَوُّل في مستوى الوعي الجمعي، وتعزيز سُلوك المواطنة عَبْرَ تعزيز الروح الوطنيَّة في سُلوك المواطن بالشكل الَّذي يفرض عَلَيْه أداءً أفضل واستثمارًا أجدى واستجابة أقوى في التكيف مع التوجّهات المتعلقة بمشاركة القِطاع الخاص بفاعليَّة في التطوير المُجتمعي، ودخول المواطن في سُوق العمل كعامل إنتاج أصيل لتحقيق التوازن في معادلة بناء الاقتصاد الوطني، ما يؤكد في الوقت نفسه على أهميَّة الوقوف عِندَ هذه المتغيرات والمؤثرات وفهم التغيُّر الحاصلة في المنظومة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسُّلوك الاجتماعي للمواطن في وضع سيناريوهات عمل بديلة أو بناء أنماط سلوكيَّة قادرة على ترقية الجانب الإيجابي لدى المواطن في صناعة التغيير وتوفير معالجات لهذا الواقع تبدأ من ثقة المواطن بنفسه وإيمانه بمبدأ التغيير واقتناعه بأنه أساس الإصلاح وتفاعله وإدراكه لحجم ما يمثِّله هذا الملف من ثقل وهاجس وطني يؤثر على إنتاجيَّة وكفاءة المورد البَشَري المواطن، في ظلِّ ارتفاع استهلاك الأيدي الوافدة للموارد الوطنيَّة، ومنافستها للمواطن في المشروعات الترويحيَّة والاقتصاديَّة والزراعيَّة التجاريَّة المتاحة له، ثم حجم نمو الأيدي العاملة الوافدة في التركيبة السكانيَّة حيثُ تشير الإحصائيَّات إلى أنَّ الانخفاض في المواليد الأحياء العُمانيِّين يقابله ارتفاع في المواليد الأحياء الوافدين حيثُ بلغ إجمالي عدد المواليد الأحياء الوافدين في عام 2023 (6,816) مولود حي، مِنْهم (3,484) ذكورًا و(3,332) إناثًا. بارتفاع عن العام 2022، والخطورة الناتجة من بعض الممارسات المرتبطة بها من خلال مؤشِّرات الجرائم والجناة، بالإضافة إلى حجم التحويلات الخارجيَّة للأيدي الوافدة.

وعَلَيْه، تطرح هذه المعطيات أهميَّة بناء السِّياسات الوطنيَّة والتشريعات والقوانين والبرامج والخطط الموجّهة نَحْوَ تشخيص وتحليل وتنظيم وتقنين وضبط ملف الأيدي الوافدة، وفْقَ آليَّات دقيقة وموجّهات أصيلة وأساليب مبتكرة ومنهجيَّات تتناغم مع طبيعة هذا الملف والحساسيَّة الَّتي يعمل فيها، وكفاءة المنظومات التشريعيَّة والقانونيَّة لما تتطلبه من مشاركة واعية من الجميع فيها، سواء من المؤسَّسات الحكوميَّة ومؤسَّسات المُجتمع الأهلي والقِطاع الخاص والمواطنين والشَّباب الباحث عن عمل أو مَن هم في مقاعد الدراسة ومؤسَّسات التعليم والتدريب ومبادرات التوظيف والمؤسَّسات الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة، في تَبنِّي أفضل الممارسات المُجيدة، وفْقَ سيناريوهات عمل تتَّسم بالجديَّة والتخطيط والفاعليَّة في التعامل مع هذا الملف، وحُسن إدارته من خلال مدخلات عدَّة، مِنْها: السِّياسات والتشريع وفرض أنظمة رقابيَّة وتنظيميَّة أكثر نضجًا وفاعليَّة؛ وتعظيم منهجيَّات الضبطيَّة والتقنين وإعادة هندسة الواقع، والمتابعة والتصحيح الَّذي يظهر في كفاءة عمليَّة التوعيَّة والإرشاد والإقناع وشموليَّتها وقدرتها على صناعة الأثر، وإعادة إنتاج وتعظيم الالتزام المُجتمعي نَحْوَ مخالفات الأيدي الوافدة، في ظلِّ دخول بعض المواطنين نَفْسه في نُمو هذه المخالفات، ومساهمته في استفحال سُلوك هذه الفئة، وعدم الإبلاغ عَنْها أو التعريف بأماكن وجودها، وحالة التستر على الفئة السائبة وغير المرخَّص لها قانونيًّا، ومساعدتها في الهروب من العدالة، أو من ملاحقة الجهات الأمنيَّة والضبطيَّة والقانونيَّة لها، بحيثُ يحافظ المواطن على متانة هذه المسؤوليَّة الَّتي تقع على عاتقه والتزامها، أو من خلال تعزيز الممكنات المهاريَّة والأدائيَّة والتشريعيَّة عَبْرَ مناهج التعليم وإعادة رسم خريطة التعليم وفق مبدأ التنويع في المسارات؛ باعتبارها خيارًا استراتيجيًّا وطنيًّا لتعزيز بعد الإنتاجيَّة في التعليم وتأكيد مسؤوليَّته لتتسعَ لكُلِّ قِطاعات التَّنمية الوطنيَّة، وتطوير قِطاع التشغيل واستدامة الوظائف لاستيعاب الكفاءات الوطنيَّة، ثم توظيف البيانات ورصد المؤشِّرات وتعظيم الفرص وإنتاج السيناريوهات البديلة، الأمر الَّذي سينعكس إيجابًا على وعي المواطن بمسؤوليَّاته الأخلاقيَّة فيما يتعلق بوجود أيِّ مخالفات حَوْلَ هذه الفئة أو مدى الالتزام بالأنظمة واللوائح المنظّمة للأنشطة الاقتصاديَّة والتجاريَّة لهذه الفئة، وتكريس ثقافة المسؤوليَّة نَحْوَها، بالإضافة إلى دَوْر المؤسَّسات الرقابيَّة والضبطيَّة والأمنيَّة والقانونيَّة في تَبنِّي سياسات ضبطيَّة تعزز من تفعيل منظومة العقوبات والجزاءات النافذة، والرقابة على الشَّركات الحكوميَّة والمؤسَّسات الخاصة في التزامها بأنصبة التعمين والإحلال، والوقوف الجادّ على مخرجات البرنامج الوطني للتشغيل والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي وغيرها من البرامج؛ بهدف الوصول إلى استراتيجيَّات عمل واضحة وخطط تنفيذيَّة واقعيَّة وأطر تنظيميَّة وتشريعيَّة نافذة، والتعامل وفْقَ سيناريوهات محدَّدة مع أيِّ انحرافات أو اختلالات قد تعطِّل فرص الإنجاز أو تقلِّل من الأثر الناتج عن القرار الوطني، في إطار من المهنيَّة والاستدامة وجرأة القرار الوطني وتعظيم مسار التشخيص الدقيق المتناغم مع احتياجات سُوق العمل الوطني ومُكوِّناته وترقيَّة منظومة الحوافز والدعم المقدَّمة للقِطاع الخاص لاستيعاب الشَّباب العُماني.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]