الاثنين 04 أغسطس 2025 م - 10 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : خطوة اقتصادية بوزن استراتيجي

السبت - 02 أغسطس 2025 06:30 م

رأي الوطن

40


عِندَما اختارتْ سلطنة عُمان أنْ تدخلَ عالَم المناطق الحُرَّة قَبل عقود، كان ذلك قرارًا يتجاوز بناء مصانع أو إنشاء مخازن للتِّجارة. لقَدْ كان رهانًا على تغيير معادلة الاقتصاد الوطني، وانتقاله من الاعتماد على مورد واحد إلى أُفق أوسع، يفتح المجال لصناعات جديدة واستثمارات نوعيَّة، فهذه المناطق بفضل تلك الجهود، تَحَوَّلتْ إلى فضاء اقتصادي نابض، يحرِّك عجَلة التَّنمية، ويمنح الشَّباب فرص عمل حقيقيَّة. ومع بزوغ رؤية «عُمان 2040» تصاعد دَوْر هذه المناطق لِتكُونَ منصَّات رئيسة لاقتصاد متنوِّع ومستدام، يستفيد من الموقع الجغرافي للسَّلطنة، ويجذب شركات عالَميَّة تبحث عن بيئة تنافسيَّة آمِنة ومَرِنة، فما حدَث خلال السَّنوات الماضية يعكس إرادة سياسيَّة واضحة في بناء اقتصاد يملك القدرة على مواجهة تحدِّيات المستقبل، دُونَ أنْ يفقدَ هُوِيَّته الوطنيَّة.

إنَّ الانضمام الأخير إلى المنظَّمة العالَميَّة للمناطق الحُرَّة يُمثِّل اعترافًا دوليًّا بتجربة عُمانيَّة نضجتْ، عَبْرَ سنوات من العمل والتَّطوير. ولعلَّ هذه العضويَّة تعني أنَّ سلطنة عُمان باتتْ جزءًا من شبكة عالَميَّة تضمُّ أكثر من (1600) منطقة اقتصاديَّة في (140) دَولة، ما يفتح أبواب تعاون واسعة مع خبراء دوليِّين، ويُتيح الاطِّلاع على تجارب متقدِّمة في إدارة وترويج المناطق الحُرَّة.. وبالنِّسبة للمستثمِرِين العالَميِّين، هذا الانضمام شهادة ثقة في بيئة الأعمال العُمانيَّة، ورسالة بأنَّ القوانين المحليَّة والإجراءات الحكوميَّة تَسير بخُطى متوافقة مع المعايير العالَميَّة، وتعني هذه الخطوة ـ بجانب تعزيز الحضور الدولي ـ فتح المجال أمام استقطاب استثمارات عالية القِيمة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والخدمات اللوجستيَّة والصِّناعات المستقبليَّة، وهو مسار جديد سينعكس على اقتصادنا الوطني، وإعطائه دفعة جديدة نَحْوَ التنوُّع والحداثة.

ويبقى أنْ نؤكِّدَ أنَّ هذا الانفتاح العالَمي يحتاج إلى أرضيَّة داخليَّة أكثر مرونةً، وقدرةً على مواكبة التَّغيير، فالإصلاحات المطلوبة لا تتوقف عِندَ تبسيط الإجراءات أو تسريع تراخيص الشَّركات، لكنَّها تمتدُّ إلى إعادة صياغة التَّشريعات، وتوسيع الامتيازات الجمركيَّة والضريبيَّة، وإحداث تَحَوُّل رقمي شامل في الخدمات الاستثماريَّة، هذه الخطوات تمنح المستثمِرِين ثقة أكبر، وتساعدهم على تقليل التَّكاليف التَّشغيليَّة، وتُتيح للسَّلطنة أنْ تكُونَ محطَّة مفضَّلة للشَّركات مُتعدِّدة الجنسيَّات، الباحثة عن مراكز إقليميَّة مستقرَّة. وعِندَما تتحقق هذه الإصلاحات بشكلٍ متكامل، تصبح المناطق الحُرَّة في عُمان بيئة أكثر تنافسيَّة للمشاريع الصِّناعيَّة والخدميَّة الكبرى، ما يزيد من تدفُّق رؤوس الأموال، ويرفع الإنتاجيَّة، ويوسِّع القاعدة الاقتصاديَّة الوطنيَّة، فينعكس أثَر ذلك على مؤشِّرات التنافسيَّة العالَميَّة، ويخلق ديناميكيَّة جديدة تدفع نَحْوَ اقتصاد حديث يتماشى مع متطلبات القرن الجديد.

هذا المسار لم يبنَ بَيْنَ ليلة وضحاها. فقبل الوصول إلى هذه المرحلة، بُذلتْ جهود متراكمة لتطوير المنظومة الاقتصاديَّة، وكانتْ رؤية «عُمان 2040» بمثابة البوصلة الَّتي وضعتِ الابتكار والاستدامة في قلب التَّخطيط التَّنموي، واليوم ومع العضويَّة الجديدة في المنظَّمة العالَميَّة للمناطق الحُرَّة، تستطيع السَّلطنة ترجمة هذه الرُّؤية إلى واقع ملموس، عَبْرَ توطين التقنيَّات الحديثة في الإدارة الصِّناعيَّة، وتطوير صناعات خضراء تعتمد على الطَّاقة المُتجدِّدة والتقنيَّات الرقميَّة، واستثمار هذه الشَّبكة الدوليَّة في تدريب وتأهيل الشَّباب العُماني، لامتلاك أدوات المنافسة العالَميَّة من داخل وطنهم، كما تجعل هذه الخطوة من المناطق الحُرَّة محرِّكات رئيسة لنُموِّ الاقتصاد الوطني، وتمنح عُمان موقعًا تنافسيًّا قادرًا على المشاركة الفاعلة في حركة التِّجارة الدوليَّة.. ومع استمرار الإصلاحات والتَّكامل مع الخبرات الدوليَّة، تتَّجه السَّلطنة بثقة نَحْوَ اقتصاد متوازن ومتطوِّر، يرسِّخ مكانتْها لاعبًا اقتصاديًّا مؤثرًا في المنطقة والعالَم.