إن بر الوالدين من نِعَمِ الله على الإنسان، فمن المعلوم أن الفقه الإسلامي مخصوص بالعلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفرعية بالنظر، والاستدلال، فما زلنا نستقي العبرَ، والعظاتِ من قوله تعالى:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء 23 ــ 24).
وما زلنا نعيش فى رحاب هذه الآية، وما فيه من توجيهات، (وَقَضى رَبُّكَ) أي: حكم، وأمر أمرًا مقطوعًا به، (أَلَّا تَعْبُدُوا) أي: بألا تعبدوا، (إِلَّا إِيَّاهُ): هو حصر العبادة بنفسه، وعلى نفسه تعالى، لأن غاية التعظيم لا يستحقها إلا لمن له غاية العظمة، وغاية الإنعام، (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا) أيْ: وبأن تحسنوا لهما إحسانًا، وذلك بأن تبروهما، أو وأحسنوا بالوالدين إحسانًا؛ لأنهما السبب الظاهر للوجود والمعيشة، ولا يجوز أن تتعلق الباء بالإحسان؛ لأنه صلته، وهي (أي: الصلة) لا تتقدم عليه، (أُفٍّ) هو اسم صوت يدل على التضجر والاستثقال، أي: تبًّا وقبحًا، (وَلا تَنْهَرْهُما): تزجرهما، والنهْر: الزجر بغلظة، (قَوْلًا كَرِيماً): جميلًا ليِّنًا.
و(جَناحَ الذُّلِّ) أي: ألِن لهما جانبك الذليل، والمراد به التواضع، والتذلل، أو حسن الرعاية، والعناية، (مِنَ الرَّحْمَةِ) أي: لرقتك عليهما، وفرط رحمتك بهما، (ارْحَمْهُما) كَما رحماني حين. (رَبَّيانِي صَغِيرِا)، أو رحمة مثل رحمتهما عليَّ، (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) من إضمار البر، والعقوق، (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) أي: طائعين للّه، قاصدين للصلاح، (لِلْأَوَّابِينَ): للتوابين أو الرجَّاعين إلى طاعته، (غَفُورًا) أي: لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة، وهم لا يضمرون عقوقًا، ولقد كثر العقوق فى عصرنا إلا من رحم الله، وللعقوق أشكالٌ كثيرة، منها هجر الوالدين، أو منع النفقة، أو تقليلها إذا كانا مستحقَّيْنِ لفقرهما، ومن العقوق تفضيلُ الزوجة على الأم، أو تفضيلُ الأبناء على الوالدين، والإنسانُ لا يدرى أيهم أكثر نفعًا، أما البر فهو عكس ذلك، والبر له أشكالٌ، وطرقٌ أكثرُ من أن تحصى، ولكنَّ النصيحة لك ـ أيها المسلم ـ أن تعلم أنك تتعامل مع الله من خلال الوالدين، ولكي تملكَ خشيةُ الله قلبَك؛ لئلا يسخط عليك من هذا العقوق، وترجو رحمة فى الله من خلال برهما هذا، والله من وراء القصد، وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.
د. أحمد طلعت حامد سعد
كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية