السبت 02 أغسطس 2025 م - 8 صفر 1447 هـ

نقطة حبر : طوابير الأمل

نقطة حبر : طوابير الأمل
الثلاثاء - 29 يوليو 2025 01:08 م

مصطفى المعمري

170

قبل يومين، وبينما كنت أتابع قرار وزير العمل بشأن تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية للعمانيين العاملين في القطاع الخاص، وما يمثله هذا القرار في هذا التوقيت تحديدا، تساءلت عن أهمية ما يحمله من دلالات. فرغم إيجابيته في بعض الجوانب، يظل السؤال قائما: هل وقفت وزارة العمل على واقع العمانيين العاملين في مؤسسات القطاع الخاص، وخاصة أولئك الذين لم تحصل النسبة الأكبر منهم على زيادات في رواتبهم منذ 15 إلى 20 عاما، ولا تتجاوز علاوتهم الدورية السنوية في الغالب ما بين 6 إلى 10 ريالات. إلى أي مدى سيكون هذا القرار إيجابيا في ظل الممارسات التي تنتهجها بعض شركات القطاع الخاص تجاه العاملين العمانيين، وهل يمكن أن يستغل القرار من قِبل بعض الشركات لتقليص نسبة العلاوة بدلا من زيادتها، تحت ذرائع مختلفة، وما قد يصاحب ذلك من مجاملات ومحسوبيات تؤثر سلبًا على إيجابيات القرار.

هو التساؤل نفسه الذي طرح اليوم مع انتشار مقاطع الفيديو والصور خلال اليومين الماضيين، والتي أظهرت توافد الآلاف من الباحثين عن عمل للتسجيل في إحدى الجهات العسكرية، واصطفافهم في طوابير طويلة لساعات. هذا المشهد يفتح الباب مجددًا لقضية الباحثين عن عمل في سلطنة عمان؛ قضية ليست وليدة اللحظة، بل مضى عليها سنوات، ولا نزال حتى اليوم غير قادرين عن إيجاد حل جذري ومستدام، رغم الجهود والمبادرات الحكومية الرامية إلى استيعاب أكبر عدد ممكن من الباحثين.

تلك الجهود التي لا تزال وقتية، ولم تصل بعد إلى أن تكون حلولا مستدامة. فملف الباحثين عن عمل بحاجة إلى دراسة معمقة لواقع السوق وظروفه واحتياجاته، وإلى مراجعة فعلية للآليات والقرارات التي اتخذت أو ستتخذ من وقت لآخر، وتقييمها بموضوعية من حيث إيجابياتها وسلبياتها، من مبدأ «لا ضرر ولا ضرار».

نحن بحاجة إلى مبادرات حقيقية فاعلة من شأنها تعزيز الثقة في سوق وبيئة الأعمال، وذلك عبر مجموعة من الخطوات، أبرزها: تبسيط الإجراءات، توفير وسائل الدعم، التسهيل على رواد الأعمال في إقامة مشاريعهم، مراجعة القرارات التي قد تعيق تطورهم، مع أهمية العمل على الحد من الفجوة القائمة بين الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص ورواد الأعمال، لا سيما فيما يتعلق بالتحديات والصعوبات التي تواجه القطاع الخاص. كما أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة الثقة لدى الباحثين عن عمل، من خلال توفير خيارات واقعية وجاذبة في سوق العمل تضمن لهم الاستقرار والحياة الكريمة، لا أن تكون مجرد أرقام تنشر، بل فرصا حقيقية واقعية تحقق الاستفادة القصوى من الطاقات الوطنية الشابة، كل في مجاله وتخصصه.

إن التحولات التي يشهدها سوق العمل وبيئات الأعمال، إلى جانب الارتفاع المستمر في أعداد الخريجين في سلطنة عمان، تتطلب، بل تفرض إحداث تحول جذري في سياسات الإحلال والتشغيل، ودعم رواد الأعمال. خصوصًا في ظل التوقعات بازدياد أعداد الباحثين عن عمل نتيجة لارتفاع مخرجات التعليم، وزيادة أعداد المسرحين من وظائفهم. وهذا بطبيعة الحال يتطلب وضع رؤية تتناسب مع الواقع القائم، من خلال إعادة النظر في السياسات المتبعة، وتخفيف القوانين التي ترهق كاهل مؤسسات القطاع الخاص ورواد الأعمال، وفتح المجال أمام الاستثمارات في القطاع الخاص، وإيجاد مؤسسات وشركات ـ حكومية وخاصة ـ لديها القدرة على استيعاب أكبر عدد من الباحثين، إلى جانب حلول أخرى يمكن أن تعزز من جهود الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص في هذا الاتجاه.

إن الحلول الوقتية لم تعد تجدي نفعًا. نحن بحاجة إلى حلول مستدامة تستشرف المستقبل، وتراعي تطلعات الشباب وسوق العمل على حد سواء. وهذا لن يتحقق إلا عبر تحقيق الشراكة الفعلية بين المؤسسات الحكومية والخاصة، وبأن يكون الجميع جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة.

ولهذا فهناك أصوات تتمسك باستمرارية منفعة الباحثين عن عمل، كأحد الحلول التي يمكن أن تخفف من الإشكاليات التي يعانون منها، وتعينهم على تلبية مطالبهم اليومية.في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. فهذه المنفعة لا تعد دعم مالي فقط، بل تمثل عنصر أمان اجتماعي ونفسي لفئة كبيرة من الشباب الذين يشعرون بالإحباط أو فقدان الثقة نتيجة تكرار المحاولات دون جدوى. إن توفير هذا النوع من الدعم يعزز من شعور الانتماء والمسؤولية، ويمنح الباحث عن عمل قدرة على الاستمرار في البحث والمثابرة دون أن يثقل كاهله القلق من الأعباء المعيشية. إن مثل هذه المبادرات تسهم في تحقيق التوازن المطلوب إلى أن تتوفر فرص العمل المناسبة، وتنبع من مسؤولية الدولة في رعاية أبنائها ودعمهم في المراحل الانتقالية.

مصطفى المعمري 

 كاتب عماني