كثير من الحضور والمدعوِّين يغادر الفعاليَّة وهو مستاء وزعلان؛ بسبب عدم جلوسه بالمكان المناسب أو مع مجموعة لا يتناغم معها أو ليس بمستواه الوظيفي والأكاديمي.. وغيرها من سياقات وأبجديَّة المؤتمرات والفعاليَّات ونظام الأسبقيَّة.. وهنا بدأتِ المدارس الفرنسيَّة بنهاية القرن السادس عشر وحصريًّا مع الملك لويس الرَّابع عشر في قصر فرساي، حيثُ استُخدم كأداة لفرض سُلطته المُطْلقة وتأكيد هيمنته الثقافيَّة والدبلوماسيَّة على النُّبلاء لتقليل نفوذهم في باريس، مستندًا إلى مفاهيم البروتوكول وإتيكيت إدارة الفعاليَّات والأنشطة، وجعل القصر مركزًا للسُّلطة السِّياسيَّة والثَّقافة والدبلوماسيَّة الفرنسيَّة، كما وضع قواعد صارمة للإتيكيت في القصر والَّتي كانتْ جزءًا من استراتيجيَّته للسَّيطرة على مناصب وأماكن النُّبلاء وقادة الجيش ورجال الاقتصاد والعلماء.. وغيرها من شرائح المُجتمع، وتحديد مكانتهم الاجتماعيَّة، وبذلك تبلْوَرَتْ فكرة نظام الأسبقيَّة وتحديد نَوع الفعاليَّات الرسميَّة والاجتماعيَّة.. وغيرها.
إنَّ تاريخ نظام الأسبقيَّة في إعداد وتنظيم وحضور الفعاليَّات والأنشطة موجود في حضارة وادي الرَّافدين (السومريِّين والآشوريِّين والبابليِّين) وحضارة وادي النِّيل (الفراعنة) من خلال الجداريَّات والمخطوطات الموجودة في المتحف البريطاني ومتاحف الدول.
وتُعرَّف إدارة الفعاليَّات بأنَّها كفاءة (تخطيط، تنظيم، إعداد، تنفيذ، المتابعة) بمختلف أنواعها مثل: المؤتمرات، النَّدوات، الحفلات، المعارض، الاجتماعات، والمهرجانات.. وغيرها. وتعتمد تنفيذ الفعاليَّات بمختلف أنواعها على ما يلي: (الميزانيَّة الماليَّة، الوقت والتَّاريخ، المكان، نَوع الحضور، الهدف التَّكتيكي أو الاستراتيجي، فريق العمل المُشرف المُحترف بذلك، التَّسويق والدَّعوات حسب الأسبقيَّة، الرُّعاة، الإعلام ووسائل التَّواصُل الاجتماعي، توفير المكان بكافَّة المستلزمات (الطَّعام، الأجهزة الإلكترونيَّة، الأمن)، برنامج الفعاليَّة أو المؤتمر مكتوب وموزَّع، الخطط البديلة للطَّوارئ، مركزيَّة القرار وعدم الثَّرثرة والتَّدخُّل في شؤون فريق العمل لأغراض شخصيَّة.
وقد بدأتِ المدرسة الدبلوماسيَّة البريطانيَّة في القرن الثامن عشر وهو عصر التَّنوير ونشوء الحركة الثقافيَّة في الفلسفة الأوروبيَّة وتوسّع الامبراطوريَّة البريطانيَّة في آسيا وإفريقيا بوضع أُسُس إدارة الفعاليَّات والأنشطة الرسميَّة والاجتماعيَّة ودرجاتها ونَوع الحضور والمكان والوقت والملابس والهدايا والأكل، وكان العهد الفكتوري (الملكة فكتوريا) هو حجر الأساس للتَّقدُّم التكنولوجي والصِّناعة والدبلوماسيَّة في أوروبا، وكذلك البروتوكول والإتيكيت.. فالملكة فكتوريا عِندَ زواجها من ابن عمِّها الأمير الألماني ألبرت عام 1840م كانتْ هي أوَّل مَن ارتدتْ فستان الزَّفاف باللَّون الأبيض، وبسببها انتشرتْ تلك العادة في بقيَّة أنحاء العالَم، وأصبح الأبيض هو اللَّون الرَّسمي لفساتين الزَّفاف.
إنَّ حضور الفعاليَّات الدوليَّة والمحليَّة، سواء داخل البلد أو خارجه فيها دلالات واضحة لكاريزما الشَّخص والَّتي تنعكس على اسْمِ بلدِه وجِهَةِ عملِه؛ لذلك عَلَيْه أوَّلًا الاطِّلاع والالتزام الكامل بالمهارات الدبلوماسيَّة بمختلف أنواعها، ومِنْها: إتيكيت اختيار ألوان الهندام الخارجي (الملابس/ مهارات القيادة وفنّ المجاملة وإدارة الحديث وإتيكيت المصافحة والتَّعارف وكاريزما الحضور وإدارة الوقت وإتيكيت استخدام الهاتف).. وغيرها من سِمات كاريزما النموذجيَّة بحضور والفعاليَّات الرسميَّة بمختلف أنواعها، سواء (لقاءات رسميَّة، مراسيم توقيع اتفاقيَّات، لقاءات صحفيَّة، مؤتمرات محليَّة ودوليَّة، إلقاء محاضرات أو كلمات ترحيبيَّة).. وغيرها من الفعاليَّات والأنشطة.
وتذهب المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة بفنِّ البروتوكول والإتيكيت إلى تقسيم الفعاليَّات والأنشطة الرسميَّة من حيثُ المناسبة إلى ما يلي: (الوقت، الحضور، المكان، مستوى المناسبة، طبيعة الأكل، الهدايا، نَوع الحضور، المدعوون مختلط أو نساء فقط، محليَّة أو دوليَّة).. وغيرها من التَّقسيمات للفعاليَّات والمناسبات الرسميَّة معتمدين على مفاهيم البروتوكولات الدوليَّة والمحليَّة، بل ذهبتْ إلى أكثر من ذلك بتقسيم بروتوكول وإتيكيت الفعاليَّات استنادًا إلى الفصول الأربعة (الخريف، الشِّتاء، الرَّبيع والصَّيف)، وبالتَّالي وضعوا أولويَّات الحضور معتمدين على البروتوكولات الدوليَّة والمحليَّة.
سِمات ومقرَّرات فنِّ الدبلوماسيَّة تؤكِّد على اعتماد مفاهيم البروتوكول والإتيكيت في حضور هذه الدَّعوات أو الفعاليَّات الرسميَّة. فعلى سبيل المثال: حضور صاحب السُّمو السَّيد ذي يزن الاستعراض الكبير (الموسيقى العسكريَّة) في دار الأوبرا السُّلطانيَّة مساء، حيثُ كان يرتدي الدِّشداشة الدَّاكنة ليلًا بِدُونِ بِشْت مع بقيَّة معالي الوزراء وكبار الشَّخصيَّات. وفي بعض الفعاليَّات نرَى سُموَّه بالدِّشداشة البيضاء والبِشْت، وأخرى فقط يرتدي دشداشة ذات لون فاتح نهارًا، وهذا ما تقصده المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة بذلك. وكما هو معلوم، فإنَّ صاحب السُّمو ابن الخارجيَّة وثري بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت بحضور الفعاليَّات الرسميَّة على مختلف أنواعها؛ لذلك على البقيَّة بمختلف شرائح ومناصب المُجتمع لا يجوز إطلاقًا حضور حفل عشاء رسمي أو أيِّ دعوة رسميَّة ليليَّة بالدِّشداشة البيضاء أو بدلة ذات ألون فاتحة، حيثُ بالإضافة إلى توقيتات الوصول والمغادرة وفنِّ المجاملة وفنِّ إدارة الحديث والأحاديث المحظورة.. وغيرها من المحاور ذات الأهميَّة الكبرى في كاريزما الشَّخص الحاضر للفعاليَّة.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت