إذا ما اتَّفق المختصون عَبْرَ العالَم على أنَّ «ابن خلدون» هو مؤسِّس (أو على أقل تقدير) أحَد مؤسَّسي «عِلم الاجتماع» الحقيقيِّين، فحَري بنا في العالَم العربي أن نبنيَ على ما أسَّسه واحد من عباقرتنا البارزين تاريخيًّا، خصوصًا وأنَّ المُختصِّين بعِلم الاجتماع عَبْرَ عالَمَيْنا العربي والإسلامي يمتلكون المادَّة الأساس الَّتي يتعامل عِلم الاجتماع المعاصر معها، وهي المُجتمعات العربيَّة ذاتها: فهنا لا نحتاج لاستراد المواد الأوَّليَّة، ولا المواد المصنّعة أو المجهَّزة من خارج بُلداننا.
لذا يتوجب عَلَيْنا العمل بمثابرة على تأسيس مدرسة عربيَّة إسلاميَّة متفردة في عِلم الاجتماع، مع إشارة خاصَّة إلى المُجتمعات العربيَّة الإسلاميَّة، منفردة ومُجتمعة، ككتلة واحدة. وبهذه الطَّريقة المتاحة أمامنا ينبغي أن تعملَ أقسام عِلم الاجتماع و»الخدمة الاجتماعيَّة» في جامعاتنا العربيَّة على تجهيز حكوماتنا بكُلِّ ما تحتاج إِلَيْه من بيانات ودراسات في أنماط سُلوك خاصَّة بعالَمنا العربي على سبيل تطوير الدِّراسات الاجتماعيَّة بشكلٍ يَضْمن لأُولي الأمْر ولصنَّاع القرار السِّياسي الاضطلاع بالمهام الموكلة إِلَيْهم على النَّحْوِ الصَّحيح الَّذي يخدم الأُمَّة وتطلُّعاتها، أقاليمَ منفردة ووحدة اجتماعيَّة واحدة شاملة، ولكن شموليَّة واسعة، وهكذا يُمكِن أن نخدم بُلداننا العربيَّة والإسلاميَّة بالشَّكل المؤمل والمأمول الآن وفي المستقبل !
إنَّ آفاق عِلم الاجتماع والدِّراسات الاجتماعيَّة في عالَمِنا العربي واسعة وواعدة: وكُلُّ ما عَلَيْنا أن نفعلَه هو تحريك أنْفُسنا نَحْوَ مُجتمعاتنا رصدًا وبحثًا، ابتداءً من أصغر وحداتها وهي «العائلة» وباتِّجاه المُجتمع املًا، على سبيل تحويله من مُجتمع مترسِّب من بقايا العصر الوسيط إلى مُجتمع مواكب لمَسيرة العصر الرَّاهن الواعدة لكُلِّ ما هو جديد وشجاع.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي