السبت 02 أغسطس 2025 م - 8 صفر 1447 هـ

رأي الوطن : عمان صوت الحق فـي معركة السلام العادل

الثلاثاء - 29 يوليو 2025 06:30 م

رأي الوطن

170

تمتلك سلطنة عُمان إرثًا دبلوماسيًّا عتيدًا، وأُسُسًا راسخة أقامتْ عَلَيْها علاقاتها الخارجيَّة لعقودٍ طويلة، أُسُسًا تربط بَيْنَ الوساطة والعلاقة الجيِّدة مع الجميع بخيطٍ رفيع يحفظ لها ثوابتها، وعلى رأسها موقفها من القضيَّة الفلسطينيَّة، ورؤيتها للحلِّ الأوحد وهو إقامة سلام عادل وشامل، ينطلق من قرارات الشَّرعيَّة الدوليَّة، والحقِّ الفلسطيني في إقامة دَولة ذات سيادة. لذا تحرص أنْ يصلَ صوتها للجميع، وتؤكِّد دائمًا أنَّ السَّلام العادل والشَّامل هو مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة والعالَم، وأنَّ نسبةً كبيرة من مشاكل عالَمِنا ستُحَل فَور حلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة، وفي سبيل ذلك تحرص سلطنة عُمان على المشاركة في المؤتمرات الدوليَّة والفعاليَّات، والَّتي كان آخرها المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسويةِ القضيَّة الفلسطينيَّة بالحلول السلميَّة وتنفيذ حلِّ الدَّولتَيْنِ، لِتجدَ عُمان منصَّة أخرى تدافع فيها عن الحقِّ الشَّرعي الفلسطيني، وتكُونَ زرقاء اليمامة لِمَن عمَتْ بصيرته عن البوصلة الَّتي توصلنا جميعًا لسلام عادل وشامل يحفظ الحقوق، رغم التَّعنُّت والإجرام الصُّهيوني والتَّواطؤ الدّولي.

في أروقة الأُمم المُتَّحدة اجتمع العالَم مجدَّدًا، في محاولة لإعادة طرح الحلِّ السِّلمي الَّذي توارتْ ملامحه تحت ركام الصَّفقات الفاشلة وحسابات القوَّة. ولعلَّ كلمة الأمين العامِّ أنطونيو جوتيريش الَّتي أكَّد فيها أنَّ قيام الدَّولة الفلسطينيَّة حقٌّ وليس مكافأة، كانتْ بمثابة جرس إنذار في قاعة اعتادتْ على البيانات الدبلوماسيَّة الباردة، لكنَّها هذه المرَّة حملتْ شيئًا مختلفًا، إذ أعادتِ التَّذكير بجوهر القضيَّة بعيدًا عن الضُّغوط السِّياسيَّة، الَّتي حاولتْ تشويهَ المعادلة لعقودٍ، وفي هذه اللَّحظة برز الصَّوت العُماني لِيضيفَ بُعدًا مُهمًّا، يعلن استمرارًا لنهجِ السَّلطنة في الدِّفاع عن هذا الحقِّ على السَّاحة الدوليَّة، ومواجهة حالة الإنكار الَّتي تتعمد تجاهل أصْلِ المأساة؛ ذلك أنَّ وجود عُمان في هذا المؤتمر يُشكِّل إعادة تأكيد على أنَّ الحقَّ لا يسقط بالتَّقادم، وأنَّ السَّلام الحقيقي لا يبنى على أنصاف الحلول، ولا على أُمنيات واشنطن وتل أبيب.

غير أنَّ المُشْكلة الحقيقيَّة الَّتي تواجِه أيَّ مؤتمر دولي حَوْلَ فلسطين، تكمن في المسافة الهائلة بَيْنَ ما يُعلَن في المنصَّات الأُمميَّة، وما يحدُث على الأرض، فكيان الاحتلال الصُّهيوني يواصل التَّوَسُّع الاستيطاني، ويفرض حصارًا خانقًا على غزَّة، ويُجوِّع ويقتُل أهْلَها، ويقضم ما تبقَّى من أرض يُمكِن أنْ تَقُومَ عَلَيْها الدَّولة الفلسطينيَّة، والقرارات الدوليَّة تراكمتْ منذُ عقودٍ دُونَ تنفيذ، والوعود الغربيَّة تحوَّلتْ إلى مظلَّة سياسيَّة تُتيح استمرار الجرائم دُونَ محاسبة.. هذا التَّناقض جعل الأمل في حلِّ الدَّولتَيْنِ يتآكل مع كُلِّ عام يمرُّ دُونَ تحرُّك حقيقي، وصار الكثيرون يرونه سرابًا سياسيًّا أكثر مِنْه مشروع سلام! ومع ذلك فإنَّ الإجماع الدّولي الَّذي حاولَ مؤتمر نيويورك استعادته، لا يزال نافذةً مهمَّة، لكنَّه يحتاج إلى إرادة سياسيَّة تترجم الخِطاب إلى ضغط مُلزِم، وإلى تحرُّك قانوني واقتصادي وإنساني متكامل يوقف نزيف العدالة المعلَّقة منذُ 1948.

وسط هذا الانسداد، يظلُّ الدَّوْر العُماني أحَد الخيوط النَّادرة، الَّتي يُمكِن أنْ تُعِيدَ نسج المسار السِّياسي على أُسُس واقعيَّة، فالخبرة الطَّويلة الَّتي تمتلكها السَّلطنة في بناء الجسور بَيْنَ الخصوم، وقدرتها على فتح قنوات حوار حين تغلقها القوى الكبرى، تمنحها موقعًا فريدًا في هذا الملف، وعُمان تدرك أنَّ الحلَّ السِّلمي يحتاج إلى بيئة عربيَّة موَحَّدة تُعِيد للقضيَّة مركزيَّتها، وتُعِيد طرْحَها على المُجتمع الدّولي كأولويَّة لا كملف ثانوي في أروقة السِّياسة العالَميَّة، ومشاركتها في مؤتمر نيويورك تعكس تصميمًا على إبقاء هذا الملف حيًّا، وعلى تذكير العالَم بأنَّ الأمن والاستقرار في الشَّرق الأوسط والعالَم، سيبقيان مُعلَّقَيْنِ ما لم يُرفعِ الظُّلم عن الفلسطينيِّين، ويُمنحوا حقَّهم الطَّبيعي في إقامة دَولتهم المستقلَّة. هذه الرُّؤية الَّتي تمزج بَيْنَ العقلانيَّة والتَّمسُّك بالمبادئ، هي ما يجعل من الدبلوماسيَّة العُمانيَّة صوتًا ضروريًّا في معركة السَّلام العادل والشَّامل.