السبت 02 أغسطس 2025 م - 8 صفر 1447 هـ

مقهى فـي ذاكرة بغداد

مقهى فـي ذاكرة بغداد
الاثنين - 28 يوليو 2025 01:30 م

أحمد صبري

10

بَيْنَ شارعَي الرَّشيد والمتنبي ببغداد تقع مقهى خليل القيسي تحوَّلتْ إلى مُجتمع بغدادي ينبض بالحياة من فرط تنوُّع روَّاد المقهى ومكنونها البغدادي الأصيل وصاحبها الَّتي بقيَتْ ملاذًا أساسيًّا للبغداديِّين، لا سِيَّما رجال الدَّولة والشُّعراء والمثقفين ورجال الأعمال ووجهاء بغداد في العهدين الملكي والجمهوري الَّذين أخذوا ركنًا أساسيًّا من المقهى على مرِّ السِّنين.

تتميز بغداد بمقاهيها التراثيَّة الَّتي تُعَدُّ جزءًا من تاريخها وثقافتها، من بَيْنِ أبرز مقاهي بغداد: مقهى الشابندر، ومقهى الزهاوي، ومقهى حسن عجمي، ومقهى البيروتي، والبرلمان وغيرها، هذه المقاهي ليسَتْ مجرَّد أماكن لتناول القهوة، والشَّاي، بل هي مواقع تاريخيَّة وثقافيَّة تجذب الزوَّار من مختلف الأجيال توثِّق حقبة عراقيَّة مهمَّة. وبقي مقهى خليل القيسي ـ كما يستذكر نجله حميد في معرض كِتابه عن بغداد ـ ملاذًا لروَّاد المقهى، مِنْهم المفكر مصطفى الألوسي وقرَّاء المقام القبنجي وناظم الغزالي وأيضًا كبار قادة الجيش العراقي. كما يبرز المؤلِّف مكانة ودَوْر والده صاحب المقهى وعلاقاته بروَّاد المقهى الَّتي تعمقتْ لدَى الكثيرين مِنْهم إلى علاقات عززتْ من مكانة المقهى ورصانة روَّادها.

ويوجز المؤلِّف السَّجايا البغداديَّة لكِتابه بالتَّأكيد على أنَّها إجمالًا تعكس الواقع العراقي لفترةٍ عدَّتْ من أجمل العقود الَّتي مرَّ بها العراق، وثّق أيَّام الزَّمن الماضي كانتْ بغداد منارته.

وعلى مدى نصف قرن كان مقهى خليل مجمعًا لرجالات الدَّولة والطَّبقة العسكريَّة النَّاشئة، ونقطة تقاطع وتفاعل حيَّة على خريطة العراق الاجتماعيَّة، حيثُ يلتقي فيها وجهاء العراق في سلَّة واحدة حسب شهادة أحَد روَّاد المقهى.

وخليل القيسي كان يدير مقهاه من قلب بغداد في محلَّة الحيدر خانة ببغداد لم تشغله الحياة حتَّى أواخر عمره في مطلع ثمانينيَّات القرن الماضي، وهو يطوي أكثر من ثمانية عقود في مَسيرة حياته.

الأحداث الَّتي احتواها الكِتاب ما هي إلَّا كتابات وشهادات من زملاء للرَّاحل يستطيع القارئ استقراءها وفَهْم معانيها؛ لأنَّها تسلكات حياتيَّة للشخصيَّات الَّتي تعايشتْ مع المُجتمع البغدادي وانصهرتْ في الشخصيَّة البغداديَّة.

وشخصيَّة بمكانة وحجم خليل القيسي جديرة بالتوقف عِندَ دَوْرها منذُ افتتاح مقهاه عام 1931 وحتَّى هدمه عام 1986 ولحين وفاته عام 1981 كان شاهدًا على مراحل مهمَّة عاصر شخوصها، وتحوَّل بفعل هذا الدَّوْر والمكانة لشاهد حي على صفحاتها المثيرة للجدل مهما طال الزَّمن.

وحسنًا فعل نجله حميد بتوثيقها لِتكُونَ في متناول اليد حتَّى لا يطويها النِّسيان؛ لأنَّها ذكريات وانطباعات معزّزة بالصوَر ارتبطتْ بشخصيَّة صاحب المقهى وكشفتِ الظواهر [H1] [H2] الاجتماعيَّة الَّتي كانتْ سائدة في المُجتمع العراقي.

ومهما قيل عن مقهى خليل القيسي فإنَّه سيبقى في ذاكرة بغداد وأحداثها؛ لأنَّه شاهد حي على الحياة البغداديَّة، وتوثيقًا لمراحل كانتْ وستبقى من أشد المراحل إثارة في تاريخ العراق الملكي والجمهوري.

أحمد صبري

كاتب عراقي

[email protected]