نحو ثقافة مجتمعية ورؤية علمية متجددة
مسقط ـ العمانية : تقوم الجمعية العمانية للفلك والفضاء بعدة أدوار مهمة في تعزيز الوعي الفلكي منها التعليم والتوعية حيث تقدم الجمعية محاضرات وحلقات عمل دورية تتناول مواضيع فلكية متنوعة، بالإضافة إلى تنظيم الفعاليات مثل: ليالي الرصد الفلكي، والاهتمام بالبحث العلمي.
وتشجع الجمعية على البحث العلمي في مجالات الفلك كما تسهم في توفير الموارد اللازمة للباحثين والمهتمين، ومن أدوارها أيضا التعاون مع المؤسسات التعليمية؛ إذ تعمل الجمعية على التعاون مع المدارس والجامعات لتعزيز المناهج الدراسية المتعلقة بالفلك، والمشاركة في المناسبات العالمية مثل اليوم العالمي للفضاء وإصدار المنشورات والكتب التي تتعلق بالفلك مما يوفر مصادر تعليمية للمهتمين.
وقد حظي علم الفلك باهتمام واسع من قبل العُمانيين، إذ لعب دورا محوريا في تسيير أمور الحياة اليومية منذ وقت طويل، ونظموا من خلاله شؤون حياتهم من ترحال وزراعة وصيد؛ فتقسيم مياه الأفلاج نهارا، أوجدوا نظام المزولة الشمسية والمعروفة محليا باسم اللمد وهو نظام قائم على حركة ظل شاخص من الحديد أو الخشب أو الصخور من طلوع الشمس إلى غروبها، وجعلوه مؤقتًا لحصص المزارعين من ماء الفلج في النهار، وأطلق عليه محاضرة النهار تمييزا عن محاضرة الليل، التي تشير دائما إلى استخدام النجوم لاستكمال عملية توزيع الحصص في الفترة المسائية. وهذه النجوم معروفة بين المزارعين، ويبلغ عددها حوالي 24 نجما في بعض الولايات و26 نجما في ولايات أخرى، وقد يزيد هذا العدد في حالات تُعد استثناء، ومن هذه النجوم الصارة الأولى، الصارة الثانية، الكوي، الدبران، المياثيب، الظلمي، وغيرها ولتوخي الدقة في توزيع هذه الحصص، أوجد المزارعون نجم المنصف ويكون ظهوره إعلانًا عن انتصاف الأثر وهو الوحدة المستخدمة لتقسيم مياه الفلج، وتعادل نصف ساعة تقريبا.
ويعدّ التدرج في الزراعة في المرتفعات الجبلية كالجبل الأخضر خير شاهد على الاستغلال الأمثل لميلان سقوط أشعة الشمس، مما يُسهم في تنوع المزروعات اعتمادا على قياسات محددة مسبقًا.
أما في المجال البحري فقد عُرف العُمانيون بأنهم ربابنة السفن، وليس أحمد بن ماجد السعدي وناصر بن علي الخضوري إلا مثالين من بين آلاف البحارة والنواخذة الذين سطّروا بحروف من ذهب معرفتهم بالطرق والنجوم ومواسم الصيد والترحال، إذ جعلوا من النجوم علامة يهتدون بها في ظلمات البحر، ومواقيت لمواسم السفر والصيد كما أنهم عرفوا ضربات البحر وهو مصطلح يُستخدم في الثقافة الشعبية العمانية والخليجية لوصف ظواهر بحرية عنيفة أو مفاجئة تُحدث اضطرابا في مياه البحر، مثل الأمواج العاتية أو التيارات القوية أو العواصف البحرية، ولا يركب البحّارة البحر في هذه المواقيت لا لسفر ولا لصيد، وهي معروفة لديهم بطلوع النجم أو غروبه في بعض الحالات.
ومن أهم الضربات المعروفة عند أهل عُمان قديما ضربة الأحيمر وهو نجم يميل لونه إلى الحمرة، ومن هنا يحدث الاختلاف في ماهية هذا النجم تحديدا، فالبعض يعد اللحيمر نجم قلب العقرب في كوكبة العقرب، والبعض الآخر يرى أنه السماك الرامح في كوكبة العواء، ومطلع كلا النجمين في ذات التوقيت وكذلك ضربة الشلي وهي ضربة التسعين من المئة الثالثة في حسبة الدرور وتعد الأقوى والأعنف بين الضربات المعروفة، وتستمر بين أربعة إلى خمسة أيام كما أن ضربات حويطم، واللكيذب، والكوي، من الضربات ذات التأثير الخطير على مرتادي البحر، لذلك وقّت العُمانيون مواسمها وعرفوا مواعيدها من خلال مطالع النجوم.
وقال الدكتور إسحاق بن يحيى الشعيلي رئيس مجلس إدارة الجمعية العُمانية للفلك والفضاء: إن الأمثال العُمانية حفظت الموروث بشكل مبسط يحمل الفكاهة في جانب والمعرفة في جانب آخر؛ فبدء انكسار شدة الحر يصاحبه ظهور نجم سهيل، لذلك يقال: إذا طلع سهيل، برد الماء والليل، ويوم يطلع الكوي، قطع القضيمة وشوي وهذا كناية عن استواء البُر وحان حصاده إلى غيرها من الأمثال التي تحمل الموروث الفلكي للأجيال كما أن للحكايات الشعبية نصيبا من المعرفة فمقتل نعش على يد سهيل وفراره للجنوب، وحمل بناته لنعشه (بنات نعش)، والحب الأبدي بين سهيل والشعرى الغميصاء»، و»العقرب في الجنوب» وارتباطها بالموروث المروي كلها ترسخ في جوانبها هذه المعارف ويبقى امتدادها على طول الزمان.
وأضاف : يبرز أهمية الفلك والفضاء في حياتنا اليومية ويوضح تأثير ودور التطبيقات الفضائية في مختلف مجالات الحياة، ويُساهم في تحسين قطاعات جوهرية مثل الزراعة، الاتصالات، الملاحة، وإدارة الكوارث كما أن الشراكة مع الجمعيات والمؤسسات العلمية المختصة في مجال الفلك والفضاء له الأثر في تعزيز التثقيف المجتمعي، والذي يتضمن الشراكة مع مراكز البحث العلمي والجمعية العُمانية للفلك والفضاء، وذلك للتعاون في المبادرات العلمية المتنوعة للجمهور، مثل ليالي الرصد، والمهرجانات الفلكية في الجامعات والمدارس. وقال عمر بن حمدان الحوسني عضو مجلس إدارة الجمعية العُمانية للفلك والفضاء : تأهيل المعلمين وتدريبهم في مجال الفلك والفضاء يعد استثمارا استراتيجيّا في نشر الوعي الفضائي في المجتمع ككل كما تشهد علوم الفلك والفضاء تحولا عالميا كبيرا يتمثل في دخول عدد متزايد من الدول إلى هذا المضمار، مستفيدة من التطور التكنولوجي، لا سيما عبر الأقمار الصناعية الصغيرة (الكيوبسات) ومشاريع الفضاء التجارية و يمكن لسلطنة عُمان مواكبة هذه التحولات من خلال تبني السياسة الوطنية للفضاء وهذا ما قامت به وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات عبر البرنامج الوطني للفضاء حيث تم اعتماد السياسة الوطنية للفضاء والتي ترتكز على دعم البحث العلمي وتطوير البنية الأساسية اللازمة بالإضافة إلى تأهيل الكفاءات الوطنية في قطاع الفضاء كما أكد على أن دخول سلطنة عُمان في مشاريع فضائية ليس خيارا ترفيهيا بل هو توجه استراتيجي يعزز موقع سلطنة عُمان ضمن اقتصاد المعرفة، ويهيئ الجيل القادم لوظائف المستقبل في مجالات الملاحة الفضائية، البيانات الفضائية، وتصنيع الأنظمة الذكية .

