عمّان ـ العُمانية : يرصد الباحث الأردني الدكتور زهير توفيق في كتابه إدراك العالم الصورَ النمطية المُتبادَلة بين الأنا والآخر في العصور الحديثة والوسطى. ويستعرض في مقدمة الكتاب الذي يمثل دراسة استقصائية تاريخية وتحليلية لجدل الأنا والآخر، نظرة كلا الطرفين للآخر وأنها ثابتة لا تتزعزع، فيقول: لم يخرج لا الشرق العربي الإسلامي، ولا الآخر في الشرق والغرب قديمًا وحديثًا عن مُسلَّماته وطرائق تفكيره في فَهْمِ الآخر، فقد بقيت الثوابتُ الحضارية والدينية والإثنية لكلّ منهما سُلطةً مرجعيةً في فهم الذات والآخر، وتمييز الأنا عن الآخر. ويضيف مهما تغيرت هذه الصورة وتحوَّلت لأسباب داخلية وخارجية فإن الثابت البنيوي فيها هو (الآخرية) وعُمق الغيرية، أي تصعيد الخلاف والاختلاف، فالذات هي المركز الذي تدور حوله الأطراف، وهي الأفضل والمعيار الأمثل، بينما الآخر أو الآخرون مجرد هوامش، ولا يستحقّون أكثر مما تمنحه لهم الذات المتعالية. ويوضح المؤلف أن قراءته للموضوع تفترض استمرار الصور النمطية للعرب والمسلمين، وهي الصور التي تشكلت في العصور الوسطى، ودخلت معجم الغرب بشكل نهائي كما هو في الاستشراق السياسي والأنثروبولوجي الحديث الذي نشأ في نهاية القرن الثامن عشر مع حملة نابليون بونابرت على المشرق العربي.
ويلخص المؤلف جوهر الموضوع الذي طرحه بين فصول الكتاب، فيقول: لم تكن الهوة واسعة ولا المفارقة أشد معرفيًّا ومنهجيًّا، إلا في قضية الأنا والآخر من العصر الوسيط إلى الوقت الراهن، إذ بقيت العدالة والمساواة والرحمة والأخوّة والإنسانية المطلوب ممارستها مع الآخر، محصورة في نطاق الأنا، وصعَّبت الذات العربية الإسلامية الأمور على نفسها في الصراع والمواجهة بتضييق مجالها العام، مقابل توسيع جبهة الآخر، وكلما توسَّع مجال الآخر وتعدَّد، تقلَّص مجال الأنا وضاق في الفكر والتاريخ الواقعي.