السبت 02 أغسطس 2025 م - 8 صفر 1447 هـ

رسائل «أبو عبيدة» ضد صمت الأمة

رسائل «أبو عبيدة» ضد صمت الأمة
الأربعاء - 23 يوليو 2025 01:12 م

جودة مرسي


طلَّ عَلَيْنا «أبوعبيدة» النَّاطق العسكري باِسْمِ حركة المقاوَمة الإسلاميَّة «حماس» بعد غياب منذُ مارس الماضي، حاملًا رسالة تُعدُّ نداءً صارخًا يُحمِّل فيه القادة والنُّخب الإسلاميَّة مسؤوليَّة تاريخيَّة وأخلاقيَّة عن صمتهم الَّذي يَعدُّه دعمًا غير مباشر للقتل والتَّجويع، كما حذَّر «أبوعبيدة» في رسالته من الانجراف نَحْوَ صفقات لا تُنهي المعاناة، ووجَّه دعوة ملحَّة لتحويل الدَّعم الرَّمزي إلى فعلٍ ملموس، وكانتْ تلك أبرز ملامح الرِّسالة الَّتي وجَّهها «أبوعبيدة» بعد اشتداد حرب التَّجويع والقتل والإبادة الجماعيَّة من قِبل الكيان الصُّهيوني المحتل ضدَّ أهالي غزَّة العزَّة، والَّتي أدَّتْ إلى تدهوُر الوضع الإنساني منذُ طوفان الأقصى في السَّابع من أكتوبر 2023، والَّتي شهدت عمليَّة عسكريَّة واسعة تخلَّلها قصف جوِّي ومدفعي مكثَّف، وحصار شامل على الماء والغذاء والكهرباء، فأسفرتْ عن وضعٍ إنساني مأساوي مع ارتفاع عدد الشهداء والجَرحى لأكثر من (38,000) فلسطيني، غالبيَّتهم من النِّساء والأطفال، أكثر من (86,000) جريح، عدد غير معروف من المفقودين تحت الأنقاض، الجوع والمجاعة، انهيار شِبه تامّ لمنظومة الإغاثة من قِبل الأُمم المُتَّحدة والوكالات الإنسانيَّة الَّتي تواجِه عوائق شديدة في توصيل المساعدات من قِبل جنود الكيان المحتل، فضربتِ المجاعة شمال غزَّة، مع تسجيل العديد من حالات الوفاة للأطفال بسبب الجوع، خلافًا لمقتلِ عشرات المَدَنيِّين أثناء انتظارهم الطَّعام (93 شهيدًا على الأقل عِندَ ممر زيكيم في يوليو الجاري)، مع التَّدمير الكامل للبنية الأساسيَّة مِثل المستشفيات والمدارس، ومُعْظم منشآت المياه والصَّرف الصحِّي، توقُّف شبكة الكهرباء بالكامل، ممَّا أدَّى لنزوح أكثر من (1.7) مليون شخص داخل القِطاع، مع اشتداد الانتهاكات الَّتي أثبتتِ التَّحقيقات الدوليَّة اتِّهام الكيان المحتل وقادته بارتكاب جرائم حرب بعد تلقِّي محكمة الجنايات الدوليَّة ملفات رسميَّة من دوَل وأطراف مَدَنيَّة ضدَّ الكيان المحتلِّ وقادته، كُلُّ هذه الجرائم المرتكبة ومع فَهْم المواقف المختلفة لبعض الدوَل الأوروبيَّة وأميركا الَّتي تُساند الكيان الصُّهيوني البربري، كان اللَّوم الحادُّ من «أبوعبيدة» للقادة والنُّخب الصَّامتة قائلًا (يا قادة هذه الأُمَّة الإسلاميَّة والعربيَّة، ويا نُخبها وأحزابها الكبيرة، ويا علماءها، أنْتُم خصومنا أمام الله عزَّ وجلَّ، أنْتُم خصوم كُلِّ طفل يتيم، وكُلِّ ثكلى، وكُلِّ نازح ومشرَّد ومكلوم وجريح ومجوَّع) رقابكم مُثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الَّذين خُذلوا بصمتكم. وعدَّ أبو عبيدة أنَّ أنظمة وقوى الأُمَّة مجرَّد متفرِّجِين، مشيرًا إلى أنَّهم لم يحرِّكوا ساكنًا، بَيْنَما الفلسطينيون يُقتلون ويُجوَّعون ويُمنَعون من أبسط حقوقهم الإنسانيَّة، قائلًا: لا نعفي أحدًا من مسؤوليَّة الدَّم النَّازف، ولا نستثني أحدًا ممَّن يملك التَّحرُّك، كُلّ حسب قدرته وتأثيره، كما أوضح «أبوعبيدة» أنَّ تهاون الدوَل القادرة وتنصُّلها عن أيِّ دَوْر يرقى لأن يكُونَ شريكًا في هذه «الإبادة الجماعيَّة» بِصَمْتها وتقاعُسها. مبَيِّنًا أنَّ المقاوَمة لن ترضى بصفقات جزئيَّة أو صفقة «الأسرَى العشرة» إذا واصلَ الطّرف الآخر تنصُّله وعدم التزامه، مشيرًا إلى أنَّ المقاوَمة تَعرض اتِّفاقا شاملًا لتبادُل الأسرَى دفعةً واحدة رغم رفض حكومة الكيان المحتلِّ، وأشارَ إلى التَّصعيد العسكري كجزء من استراتيجيَّة «استنزاف» مستمرة، حتَّى آخر رمق.

إنَّ خِطاب «أبو عبيدة» الَّذي هو الأوَّل منذُ مارس الماضي يُعدُّ نداءً قويًّا للأُمَّة لنصرةِ أهلِ غزَّة وتحويل التَّضامن من «كلام إلى فِعل» في المساجد والشُّعوب والمجالس والدُّعاة، مستندًا إلى أنَّ الأُمَّة «شريكة إن لم تتحرك» عَبْرَ صَمْتِها، وأنَّ السُّلوك السَّلبي لا يختلف عن تأييد جرائم الاحتلال عن طريق الامتناع عن إيصال مساعدات أو ممارسة ضغط سياسي فعَّال، فهل وصلتْ رسالة «أبوعبيدة» وترجمتْ إلى أفعال أو كما قال إنَّ الصَّمت ما زال هو الموقف السَّائد.

جودة مرسي

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن»