السبت 02 أغسطس 2025 م - 8 صفر 1447 هـ

متلازمة ابن ماجد وحريق مدينة الكوت العراقية

متلازمة ابن ماجد وحريق مدينة الكوت العراقية
الأربعاء - 23 يوليو 2025 01:14 م

عادل سعد

170

•تظلُّ متلازمة الملَّاح العُماني أحمد بن ماجد واحدةً من أهمِّ متطلبات اليقظة التحسبيَّة في مواجهة المخاطر.

•لقد استذكرتُ هذه المتلازمة وأنا أتابع بمرارة كارثة حريق مدينة الكوت مركز محافظة واسط، الحادث المروِّع الَّذي أودى بحياة أكثر من ستِّين مواطنًا بريئًا كانوا يتسوقون داخل مجمَّع تجاري لم يمضِ على افتتاحه سوى عدَّة أيَّام، ونافَس في التصدُّر إعلاميًّا جرائم التَّجويع والقتل في غزَّة، وكذلك الأحداث الدمويَّة في مدينة السُّويداء السوريَّة.

•الحادث أوجب إعلان الحِداد رسميًّا واجتماعيًّا، وتَشاركَ ملايين العراقيِّين في التَّعبير عن حزنهم ومواساتهم. وانتشرتِ الرَّايات السَّوداء في المشهد العراقي العامِّ، ولو كان هناك مسؤولون إداريون بنباهة بن ماجد ما تفاقَم الحادث.

•ما استنتجته من متلازمة ذلك البحَّار المُحنَّك، أنَّه كان يعيش قلقًا شديدًا قَبل أيِّ رحلةٍ له، يفحص كُلَّ موجودات السَّفينة، أشرعةً ودفَّاتٍ وهيكلًا داخليًّا ومتانةَ الأعمدةِ، وبوصلةً وخرائطَ، ومتعلقاتٍ أخرى لتقدير مدَى الصُّمود المحتمل في مواجهة تقلُّبات البحار والمحيطات من عواصف وأمواج عاتية.

•لقد نُقل عن مدوّنات تاريخيَّة بشأن خبرته، أنَّه لا يكتفي بفحصٍ واحدٍ إنَّما يُعاوده أكثر من مرَّة لتكوينِ فائضِ قِيمة من الثِّقة والاطمئنان على السَّلامة العامَّة.

•كان هامشُ الشُّعور بالقلق والتَّحسُّب يرافقه حتَّى وإن كان كُلُّ شيءٍ على ما يُرام، وإزاء كُلِّ ما تذكَّرته عن ذلك الملَّاح المتميِّز، توالدتْ لديَّ أسئلة عن حجم ونَوْعيَّة التَّورُّط الَّذي قادَ إلى مأساة الكوت.

•السَّائد الآن إزاء الحادث، رمي التُّهم جزافًا وتشعيب في الاستنتاجات، ولكن لن تستقِيمَ النَّتيجة إذا لم تتمَّ الإجابة على عددٍ من الأسئلةٍ، مِنْها ما يتعلق بمفهوم القضاء والقدر الَّذي كان وراء الحريق، هل خضعت البناية من حيثُ مواد التَّأسيس والبناء للفحص الموضعي، هل حصلتْ على التَّرخيص اللازم للاستخدام، ماذا عن المهندس المُقيِّم الَّذي كان يتولَّى الإشراف على استكمال البناء وتجهيزه، هل طبَّق مقاييس الجودة؟

•لقد تفاقمتْ مسؤوليَّات مهندسين مُقيِّمين في تلكُّؤ مشاريع تنمويَّة عراقيَّة تحت وطأة فسادهم امتدادًا لتوصيف وزير العدل اللبناني الأسبق بهيج طبارة (الفساد لا ينتظر أحدًا).

•استكمالًا للأسئلة، هل كان جهاز الدِّفاع المَدَني في المدينة المنكوبة على مستوى الطَّوارئ في تأمين عاجلٍ ومنظَّمٍ لعمليَّات الإخلاء والإطفاء وتصفير الخسائر، الأهمُّ من ذلك هل لدَى هذا الجهاز الإنقاذي برنامج في التَّعامل مع بنايات من عدَّة طوابق، هل لدَيْه آليَّات بمستوى الاستعداد للتَّعامل مع مختلف الطَّوارئ المحتملة، هل يملك مواطنو مدينة الكوت رصيدًا معرفيًّا لمواجهة الحالات الطَّارئة، فمن دراسات وبحوث إنَّ ارتفاع وانخفاض نسبة الخسائر البَشَريَّة والمادِّيَّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمدَى التَّصدِّي البَشَري العامِّ للمفاجأت الكارثيَّة المحتملة.

•مع تعدُّد هذه الأسئلة، يظلُّ الهامش الإداري العامُّ سيِّد الهوامش في الاطمئنان على كُلِّ المستلزمات المتعلِّقة بِدَوْر محرِّكات السَّلامة العامَّة في احتواء الحدَث مهما كان حجمه.

وعودةً على بدء، لا يجوز النَّيْل من منطق القضاء والقدر لكنَّ العاملَ الأهمَّ الموازي لهذا المنطق، كيف لك التَّحسُّب لهما بالمزيد من الفِطنة والتَّوَقُّع.

•الخلاصة، كلفة ما حصلَ في حريق الكوت ينبغي أن يكُونَ عِبرةً ملازمةً للاستدلال على المنهج الضَّامن لمواجهة الطَّوارئ، أمَّا السُّؤال الأخير فهو عن حجم الإهمال والاسترخاء، وتكمن إجابته بما ستسفر عَنْه التَّحقيقات.

•إنَّ الحياة في مجملها عمليَّة إبحار.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]