في عصر أصبحت فيه الاتصالات عنصرا أساسيا من عناصر الحياة اليومية، انتشرت ظاهرة استخدام شبكات الإنترنت السلكية واللاسلكية (Wi-Fi) بشكل واسع، لاسيما من خلال إعادة توزيع الخدمة ضمن نطاق جغرافي معين وهو ما يتيح لعدد كبير من المستخدمين الوصول إلى الشبكة مقابل مبالغ رمزية سواء كان ذلك التصرف قانونيا أو بدونه. أن ما يغيب عن أذهان كثيرين هو ما يحمله هذا التصرف من أبعاد ونتائج سلبية قد تعرض المستخدمين للمسألة القانونية لكون ان توزيع شبكات خدمة الانترنت دون أي موافقات هي في الأساس تمثل مخالفة قانونية، هذا إلى جانب ما تمثله من أضرار اقتصادية ومجتمعية وهو ما سنأتي عليه في سياق هذا المقال.
ومن منطلق خطورة ذلك التوجه وانتشاره بشكل متزايد بين افراد ومؤسسات المجتمع يأتي القرار ببدء تنفيذ حملات تفتيش ميدانية لضبط شبكات الإنترنت السلكية واللاسلكية (Wi-Fi) التي تدار دون ترخيص قانوني، وهو نتيجة متوقعة بعد رصد أنشطة غير مرخصة تقوم بتوزيع خدمة الشبكات وما تسببه من إشكاليات يضعف جودة الخدمة، بجانب ما يسببه هذه النوع من الشبكات من قدرة على اختراق خصوصيات الافراد والاطلاع على بياناتهم ومراسلاتهم وارصدتهم البنكية.
أن أهمية هذا القرار لا تكمن فقط في كونه إجراء تنظيميا لحماية مزودي الخدمة، بل لأنه أيضا درع أمني لحماية المستخدمين أنفسهم من مخاطر كبيرة. فإعادة توزيع الإنترنت دون ترخيص يفتح الباب أمام ممارسات خطرة كـاختراق الشبكات، وسحب البيانات الحساسة، وغياب الخصوصية، إذ غالبا ما تكون الشبكات المشتركة ذات حماية ضعيفة أو معدومة، مما يجعلها هدفا سهلا للقراصنة والمخترقين.
ومن الجانب الاقتصادي، فإن وجود هذه الشبكات يؤثر سلبا على استدامة استثمارات مزودي الخدمات، مما قد ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمستخدمين على المدى البعيد، وتوجد سوقا سوداء غير خاضعة للرقابة، وهو ما يعد ممارسة تجارية غير قانونية تخل بمبادئ المنافسة العادلة. كما أن استخدام هذه الشبكات في مؤسسات أو منازل دون دراية أو وعي قد يعرضهم للاختراق أو سرقة البيانات، مما يهدد الثقة في التحول الرقمي الذي تعول عليه الدولة في خططها التنموية، الجانب الاخر في الموضوع هو ان الشبكات غير المرخصة يوثر سلبا على جودة الخدمات ليس فقط للمستخدمين المباشرين بل حتى للمناطق المحيطة.
مع ادراكنا لتنوع احتياجات المستخدمين، خاصة ذوي الدخل المحدود وطلبة الجامعات والمدارس، والذين قد يرون في بعض الحلول غير القانونية وسيلة لتقليل المصاريف، نؤكد أهمية العمل على بدائل مستدامة تضمن العدالة في الوصول للخدمة وجودتها ضمن الأطر القانونية. فالنتائج المترتبة على استخدام الشبكات غير المرخصة ـ من سرقة البيانات، والمساءلة القانونية، وضعف الخدمة ـ قد تفوق بكثير الفوائد المؤقتة التي تبدو مغرية في ظاهرها. لذلك، لا بد أن يكون هناك دور تكاملي بين الجهات الرسمية والمجتمع، من خلال: برامج دعم واتصال مدعومة موجهة خصيصا للطلبة والأسر ذات الدخل المحدود، مبادرات مجتمعية رقمية توفر بيئة آمنة ومراقبة لاستخدام الإنترنت في الأماكن العامة، كالمكتبات، والمراكز المجتمعية، والجامعات، تعزيز التثقيف الرقمي بشأن أهمية الأمن السيبراني ومخاطر الشبكات العشوائية، دراسة واقع تسعيرات خدمات الانترنت بشكل عام والانترنت المنزلي بشكل خاص، العمل على إيجاد بدائل أمام المستفدين من شأنها الاسهام في تقليل الكلفة على المشتركين، حلول وخيارات عديدة تبقى مفتوحة أمام جهات الاختصاص لدراستها.
نقول إن تنفيذ القرارات التنظيمية يجب أن يُقابل بحوار مجتمعي واع، يدرك أن الأمن الرقمي هو حق عام ومسؤولية مشتركة. ووعي المجتمع بهذه الأبعاد هو ما يوجد بيئة رقمية مستدامة وعادلة وآمنة للجميع.
مصطفى المعمري
كاتب عماني