الجمعة 25 يوليو 2025 م - 29 محرم 1447 هـ

أوراق الخريف : غزة تصرخ: يا عرباه ويا مسلماه .. هل فيكم معتصماه؟

أوراق الخريف : غزة تصرخ: يا عرباه ويا مسلماه .. هل فيكم معتصماه؟
الثلاثاء - 22 يوليو 2025 02:05 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

160


غزَّة تُباد، وتحترق، فلتعذرنا، غزَّة تُصارع سياسة التَّجويع، فلتعذرنا، غزَّة تُضرب بالصَّواريخ وبالقنابل والمدافع، فلتعذرنا، عدَّاد الوفَيَات والشُّهداء جرَّاء ذلك يزداد، فلتعذرنا، الجوع يقتل يوميًّا الأبرياء في كارثة إنسانيَّة لا تُطاق، فلتعذرنا غزَّة وأهْلُها وكُلُّ فلسطين؛ لأنَّه لا يوجد بَيْنَنا خالد بن الوليد أو صلاح الدِّين، ولا المعتصم..!

فمتى كان العرب الشُّرفاء يقفون مكتوفي الأيدي عن هذه الجرائم دُونَ حراك؟ ألَمْ تشاهدوا في قنواتكم الإعلاميَّة، وصحفكم اليوميَّة مَشاهد وصوَر القتل والجوع والوفَيَات والحالة الَّتي وصلتْ إِلَيْها مدينتكم؟ أما تُتابعون الأرقام المذهلة عَنْها والإحصاءات الرَّقميَّة الفلكيَّة وسياسة التَّجويع، ونحن أغنياء العالَم؟

مدينة أصبحتْ خاوية، لا دواء ولا غذاء، ولا مأوى ولا سكن ولا طُرقات ولا ماء ولا اتِّصالات ولا كهرباء ولا فراش ولا ولا... ونحن نملك القوَّة النَّاعمة والمال والغذاء وأسلحة تُجبر المغتصب وحلفاءه على الانصياع، يكفي ما يحدُث لغزَّة وأهلها، إنَّ العيون لتدمع، وإنَّنا لِقلَّة ضعفنا كشُعوب يا أهل غزَّة لنادمون.

فلسطين داري وغزَّة أهلي، وسلاح شرفي، ورفعة رأسي، لا نملك من أجْلِها سوى الدُّموع والدُّعاء، فأيُّ مدينة أنتْ؟ وأيُّ رِجال أنْتُم؟ وأيُّ نساء أنتُنَّ؟ وأيُّ أطفال أنْتُم؟ أنْتُم رياحين الجنان، وشرَف العرب والمُسلِمِين.

طفل يصرخ من شدَّة الجوع وقلَّة الدَّواء، وأبٌ يودِّع الحياة وهو ينتظر الدَّوْر لاستلام وجبة طعام، المَرض يفتك بالصِّغار والكِبار في هذه المدينة العربيَّة الإسلاميَّة، قَبل السِّلاح وضربات الصَّواريخ والتَّفجيرات، و»الأونروا» تُنادي يا مجلس الأمن ويا القوى العظمى أين أنْتُم؟ وأين مَن يخطب في البرلمانات والمؤتمرات ويدَّعي بالقوميَّة أو الإسلام من هذه الأفعال الإجراميَّة؟

أخبار غزَّة تتصدر المشهد، وامتلأتْ منصَّات التَّواصُل الاجتماعي والصُّحف بهذه المنشورات والمقاطع المؤلمة والمصوَّرة الَّتي تُظهر معاناة الأطفال والنِّساء والشُّيوخ اليوميَّة، مع انعدام الدَّواء في المستشفيات الَّتي تحوَّلتْ لأماكن غير آمنة للمَرضى وللعلاج، والمدينة لأدنى مُقوِّمات الحياة للبقاء، و»إسرائيل» تغلق جميع المعابر مع القِطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائيَّة والطبيَّة وغيرها، والعالَم العربي والإسلامي يتفرج.

أليس لدَيْكم مشاعر، وكُلّ ساعة يموت طفل بسبب الجوع في شوارع غزَّة وبيت حانون، وجباليا وحي الزيتون؟ إنَّنا اليوم أمام قضيَّة عالَميَّة ومشهد مخيف، احتلال وقتل وحرب إبادة وتجويع، ورغم التَّقارير الميدانيَّة القاتمة، إلَّا أنَّ الأُمم المُتَّحدة لم تعلنِ المجاعة رسميًّا في غزَّة.

ألَا نستذكر ما قام به الخليفة المعتصم إزاء استنجاد المرأة العربيَّة الَّتي نادتْ «وامعتصماه» فكانت معركة «عموريَّة» الَّتي ضرب فيها هذه المدينة الروميَّة وروَّع رجالها في موقعة خلَّدها التَّاريخ؟

فاليوم غزَّة تنزف وتصرخ وتبكي صباح مساء، وغدًا مدينة أخرى، وكُلُّ وفاة غزاويَّة تُعَدُّ وصمة عار ملتصقة بضمير هذا العالَم، فيا شعوب العالَم تحركوا واعتصموا لوقفِ هذا التَّجويع والمجازر، فعارٌ عَلَيْنا أن نمنعَ المساعدات وتغلقَ المعابر، ودماء الأبرياء والشُّهداء ستُلاحق كُلَّ مَن خان أو تواطأ في هذه القضيَّة.

فهذا الخذلان لا بُدَّ أن يزولَ وصوت سماحة الشَّيخ مفتي سلطنة عُمان، ومن معه من المناشدِين الأحرار يَجِبُ أن يُسمعَ، وقرار عربي إسلامي قوي لا بُدَّ أن يصدحَ ويسمعَ هذه المرَّة، بوقفِ الحرب والمجاعة. فدعونا نغيِّر البوصلة ونكتب التَّاريخ، ويكُونُ لنَا كلمة تهزُّ الدوَل الكبرى ومجلس الأمن، فمَن أوقف البترول عن الغرب وأميركا في 73، ورفضَ الاعتراف بـ»إسرائيل» من قادة العرب الشُّرفاء، قادر أحفادهم تكرار الأمْر وأكبر من ذلك.

ونحن اليوم لا نريد استنكارًا أو إدانة، نحتاج لقائد عربي يلمُّ الشَّمل ويُصحِّح الأخطاء ويُنقذ فلسطين وأهل غزَّة من الموت والجوع ومن تقسيم الدوَل العربيَّة، ووقف الانتهاك الصَّارخ للقانون الدّولي واستفزاز مشاعر العرب والمُسلِمِين من جانب «إسرائيل».. ربَّنا لا تُعذِّبنا بعجزنا، فإنَّنا لا نملك إلَّا الدُّعاء، فالمشهد في غزَّة يُنادي: يا عرباه ويا مُسلِماه.. هل فيكم معتصماه.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]