الجمعة 25 يوليو 2025 م - 29 محرم 1447 هـ

فن الدبلوماسية.. استراتيجيات التفاوض ولغة الجسد

فن الدبلوماسية.. استراتيجيات التفاوض ولغة الجسد
الثلاثاء - 22 يوليو 2025 01:00 م

د. سعدون بن حسين الحمداني

20


بدأتِ المدارس الدبلوماسيَّة والكُليَّات البريطانيَّة المُتخصِّصة بالعلوم السِّياسيَّة والعلاقات الدوليَّة تضع بعض السِّمات الجديدة على استراتيجيَّات التَّفاوض بعيدًا عن الأرقام من حيثُ الخسارة والرِّبح، سواء في التَّفاوض الاقتصادي أو حتَّى السِّياسي والاستراتيجي مِنْها، حيثُ وضعتْ سمعة البلد وشَعبه أكبر من أيِّ رقم متحمل في قِيمة الأرباح المتحملة.

ذكاء بعض عصابات المافيا المُتخصِّصة بغسيل الأموال والمخدرات، وغيرها من الشَّركات والمؤسَّسات المشبوهة تفتِّش عن الشَّركات الرَّاكدة اقتصاديًّا لِتأخذَها غطاء لها، وتبدأ تتفاوض معها بأسماء شركات وهميَّة قد تكُونُ معلومة أو غير معلومة، وتأتي بمركب المنقذ لهذه المؤسَّسة أو تلك لِتنقذَها من الإفلاس أو الرُّكود تحت غطاء الشَّراكة الاستراتيجيَّة في أهداف المؤسَّسة لغرضِ التَّسويق المباشر وإدخال رأس مال يُعزِّز من الشَّركة المُفلسة.

سِمات واستراتيجيَّات التَّفاوض تبدأ من تحليل الطَّرف الآخر الَّذي يرغب بالشَّراكة وبعيدًا عن الإبحار معه بسبب وفرة المال، بحيثُ يُغري الطَّرف الأوَّل (وهو مالك الشَّركة) بشراكة ما يكاد يحلم بها من حيثُ رأس المال والعالَميَّة من خلال رأس المال الَّذي سوف يضخُّه للشّركة على أملِ أن يُديرَها ويوسِّعَ أذرعها في عدَّة مجالات. وفي الحقيقة أنَّه سوف يُحقِّق ويُنفِّذ ما تمَّ التَّخطيط له بالباطن والَّذي يخفى على المالك ـ على سبيل المثال ـ وهو (التِّجارة المشبوهة وغير القانونيَّة) وخصوصًا إذا اشترك بمعارض خارجيَّة؛ وبالتَّالي سوف تضع اسم هذه الدَّولة ضِمن (القائمة السَّوداء)؛ بسبب عفويَّة أو عدم حِرفيَّة ومهنيَّة المالك والرَّئيس التَّنفيذي لهذه الشَّركة الَّذي أغرَتْه رؤوس الأموال الَّتي ضخَّها الطَّرف الثَّاني دُونَ تحليل دقيق ومعرفة حِرفيَّة التَّفاوض وأدواتها.

تتفاخر الآن بعض الكُليَّات الأجنبيَّة المُتخصِّصة بالتَّركيز على كاريزما المفاوِض وثقافته المُحدثة بعيدًا عن الأهداف الكلاسيكيَّة المتعارف عَلَيْها سابقًا، حيثُ بدأ عنصر التَّحليل المعرفي التكنولوجي الحديث والتَّحليل المعرفي الشَّخصي المستند إلى مُقوِّمات السُّمعة والتَّاريخ الإيجابي للطَّرف الآخر قَبل الجلوس والتَّفاوض معه، بل ويذهبون إلى أكثر من ذلك حيثُ بدأوا وهو الاستفسار عن سُلوك وأخلاق الشَّريك الجديد والَّذي يرغبون بأن يكُونَ ضِمن مجلس الإدارة الشَّركة الأُمِّ؛ لأنَّه إذا كانتْ أخلاقه غير جيِّدة على ـ سبيل المثال ـ إن كان (مراوغًا وغير صادق بالتَّعامل وشخصيَّة مُبهمة ومشبوهة التَّاريخ)؛ بسبب الوفرة الماليَّة الَّتي لدَيْه؛ وبالتَّالي سوف يعطي للطَّرف الأوَّل صورة واضحة عن الشَّريك الجديد، وبالتَّالي يتَّخذ القرار الصَّحيح بعد الجلوس معه والتَّفاوض بخصوص الشَّراكة.

إنَّ أهمَّ استراتيجيَّات التَّفاوض هو التَّميُّز في إدارة الحديث بالأداء والطَّرح، لُغة الجسد، نبرة الصَّوت وهدوء الأعصاب، الحنكة الكلاميَّة، بُعد النَّظر للموضوع، احتواء المقابلة والمطاولة والصَّبر في النِّقاش في الاجتماعات، الإلمام الكامل بكُلِّ مفردات الموضوع من ناحية عِلم اللُّغة القانوني العامِّ، وعِلم الكلمة وعِلم المعنى، لباقة اللِّسان والتَّوقُّف في الكلام عِندَ نقاط القوَّة في المفاوضات، الاستمرار بالتَّفاوض ضِمن أدلَّة حقيقيَّة واقعيَّة ملموسة، أن تكُونَ لدَى المفاوِض القدرة الكافية على تحليل الطَّرف الثَّاني من خلال لُغة الجسد والرَّبط بَيْنَ المواضيع المطروحة للمناقشة، أن يكُونَ المفاوِض ذا عقليَّة لمَّاحة وأن يكُونَ سَلِسًا مَرِنًا ومع ذلك حاسمًا عِندَ اللُّزوم، وقَبل كُلِّ هذه السِّمات يَجِبُ أن يكُونَ لدَى المفاوِض تخطيط ودراسة مسبقة للموضوع لغرضِ تحقيق أعلى المعايير.

وأفادتِ الدِّراسات والبحوث الدبلوماسيَّة في مجال لُغة الجسد أثناء التَّفاوض الَّتي أُجريت على المفاوِضِين بأنَّ إيماءات أياديهم (كيف يُمكِن) أن تؤثِّرَ وبشكلٍ فعَّال على الطَّرف الآخر الَّذي ينظر بها إِلَيْهم.. وكذلك من أوَّل لحظة تدخل فيها إلى مكان معيَّن، يبدأ النَّاس في إصدار أحكامهم حَوْلَ شخصيَّتك وإلى أيِّ مدَى يُعجبون بِك.. ولحُسن الحظِّ هناك بعض المفردات من لُغة الجسد ذات تأثير مباشر على شخصيَّتك، سواء أثناء المشي أو الجلوس أو التَّلويح بالأيدي، وأنَّ لُغة الجسد هي عبارة عن رسائل مرسلة غير لفظيَّة على الطَّرف الآخر فكُّ رموزها، سواء كانتْ إيجابيَّة أو سلبيَّة وهي كثيرة تبدأ من (الوَجْه والعَيْنِ والحواجب والفَمِ)، بالإضافة إلى أقسام اليد وهي (العضد، السَّاعد، الكف) وأمَّا الكفُّ وراحة اليد فتقسم الأصابع إلى (الإبهام، السَّبابة، الوسطى، البنصر، والخنصر) وهي أهمُّ إشارات اليدَيْنِ أثناء الكلام.

وهذه الأجزاء مهمَّة جدًّا للمفاوِض وحركة اليد أثناء الكلام، فمن المُخجل جدًّا أن نرَى المفاوِض مهما تكُنْ وظيفتُه ومركزُه الاجتماعي أن يرفعَ يدَه أثناء الكلام ولو بزاوية (15) درجة؛ لذلك على المفاوِض دائمًا وأبدًا أن يبقيَ العضد ملاصقًا للجسم، ويبقيَ السَّاعد والكفَّ بحركة جزئيَّة لا تتعدَّى (10%) من كلامه ولا يرفع اليَدَيْنِ إلى الأعلى إطلاقًا.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت