أنا من مواليد يومٍ ولدت فيه عُمان من جديد. صحيح أن ولادتي البيولوجية سبقت عام 1970، لكن شعوري العميق يقول إن ميلادي الحقيقي، وميلاد كل عُماني، هو يوم النهضة المباركة.
ذلك اليوم المجيد لم يكن مجرَّد تحول سياسي أو إداري، بل ولادة جديدة لوطنٍ كان يبحث عن ذاته، عن كرامته، عن مكانه في هذا العالم. استيقظ العُمانيون على خِطاب سُلطانهم المغفور له بإذن الله تعالى وهو يقول لهم «أول هدفي أن أزيل الأوامر غير الضرورية التي ترزحون تحت وطأتها.. سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُعَدَاء لمستقبل أفضل.. كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غدًا سيشرق الفجر على عُمان وعلى أهلها». كان خِطابه ـ رحمه الله ـ إعلانًا لميلاد عُمان الخير، والأمن والرخاء والسلام.
قبل خمسة عشر عامًا، نظَّمت بلدية ظفار مبادرة جميلة لتكريم من وُلدوا في 23 يوليو 1970. طُلب من المواطنين إحضار شهادات ميلادهم، وكانت اللفتة رمزية، لكنها أثارت في داخلي شيئًا كبيرًا: فأنا لا أحتفل فقط بذكرى ميلادي، بل أحتفل بميلاد وطن.
قبل السبعين، كانت الحياة صعبة. عانى العُمانيون جراح الغربة ومرارة الشتات داخل الوطن وخارجه. انتشروا في أرجاء الأرض طلبًا للعلم والعيش الكريم، وركبوا البحر بأمل ضئيل، لكن كثيرًا منهم ابتلعتهم الأمواج، خاصة من ظفار وصور ومرباط وطاقة.
لم تكن هناك مدارس، ولا مستشفيات، ولا طرق، ولا ماء، ولا كهرباء؛ بل كانت الحياة قاسية إلى درجة لا يتصورها جيل اليوم. ثم جاء الفجر: 23 يوليو 1970.
في هذا اليوم، بُعث الأمل. جاء السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ فكان وعده صدقًا، ومسيرته بركة، وحكمته طريقًا للنور. امتدت الجسور بين الجبال والسهول، وتصالحت المدن مع القرى، وعاد العُماني ليعيش في وطنٍ يمنحه الكرامة، ويحتضنه بكل محبة.
من مسندم إلى ضلكوت، تبدل وجه عُمان. أصبح التعليم حقًّا، والصحة متاحة، والبنية الأساسية واقعًا لا خيالًا.
أنا لا أستغرب أن أكتب عن 23 يوليو. هذا اليوم يسكنني. هو في دمي وفي وجداني. هو اليوم الذي أصبحت فيه عُمان ما هي عليه الآن: دولة عزيزة، آمنة، واثقة، تمضي بثبات نحو المستقبل.
قد يشكك البعض، وقد يتذمر المتشائمون، لكن الحقيقة أن النهضة غيَّرت كل شيء. ونحن اليوم نعيش ثمارها، ونواصل البناء على أسسها.
رحم الله باني النهضة، السُّلطان الراحل قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ، وبارك الله في من واصل طريقه، جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله.
وكل عام وعُمان بخير، وكل من وُلد في هذا اليوم المَجيد، هو شاهد حي على أن الأقدار تختار أجمل القصص.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية