سمر شيشكلي: خطورة الظاهرة تتجلى فـي تزييف الموهبة وطمس الأصوات الأصيلة

بوجمعة العوفـي: الذكاء الاصطناعي مهما تفوق فـي المحاكاة سيظل عاجزا عن أن ينتج شيئا يشبه الشعر حين يكون وجعا

دمشق من وحيد تاجا:
تقول سمر شيشكلي مترجمة وأديبة سورية: ظاهرة استغلال الذكاء الاصطناعي لإنتاج أعمال أدبية منسوبة لأشخاص بلا خلفية إبداعية تشكل تهديدا حقيقيا للإبداع والذائقة الأدبية، خاصة في العالم العربي الذي يعاني من فوضى النشر وضعف التقييم النقدي، فخطورة الظاهرة تتجلى في تزييف الموهبة وطمس الأصوات الأصيلة، إذ تنتج نصوصا منمقة لغويا لكنها فارغة من العمق الإنساني، مما يزيد من صعوبة وصول الكتاب الحقيقيين إلى الجمهور. وتعتمد هذه النصوص على قوالب جاهزة تؤدي إلى إغراق الساحة بمحتوى مكرر وسطحي، ما يربك المتلقي ويشوه مفاهيم الإبداع، ويفرغ الكتابة من جوهرها القائم على الحس الإنساني والرؤية الخاصة وتزداد المشكلة حين يوظف أصحابها المنصات الاجتماعية لتسويق أنفسهم، فتطغى الشهرة على القيمة، ويتكون لدى الجمهور تصور زائف عن الكاتب.
وتؤكد الأديبة السورية أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب دورا حاسما للنقاد القادرين على كشف غياب التجربة الإنسانية وتفكك النصوص، مع الاعتماد على أدوات تقنية تكتشف النصوص المولدة، كما يجب رفع الوعي النقدي لدى القراء من خلال الحلقات الثقافية، وإعادة الاعتبار للنقد كمرجعية فاصلة، وإلزام دور النشر بالتحقق من مصدر النصوص واعتماد معايير صارمة لمنح الجوائز الأدبية، في النهاية لا يجب معاداة التقنية بل توظيفها بوعي لخدمة الإبداع الحقيقي لا تزويره مع الحفاظ على الكتابة كفعل إنساني أصيل لا يختزل في خوارزمية.
بدوره يقول دكتور بوجمعة العوفي شاعر وناقد فني مغربي: هذه الظاهرة تطرح سؤالا ثقافيا وفلسفيا في آن واحد: ما هو الأدب؟ وما هي قيمة الإبداع إذا أمكن للآلة أن تنتجه نيابة عن الإنسان؟ وهل نعيش بالفعل بداية نهاية المعنى الإنساني للكتابة؟ قد لا يتعلق الأمر هنا بتطور طبيعي في أدوات الكتابة أو وسائط النشر، بل بنقلة نوعية تخلخل جذور المفهوم نفسه، لأننا أمام كتابة بلا كاتب وأمام شاعر لا يكتب الشعر، وقاص لا يروي شيئا من ذاكرته أو خياله بل مجرد مشغل لآلة تعيد توليف ما سبق قراءته، ببرودة تقنية، دون أي أثر للتجربة أو الذات، ثم إن ما يميز الأدب الحي ليس فقط جمال اللغة أو فصاحتها، بل حضور التجربة الإنسانية فيه فالشاعر الحقيقي يكتب من موضع ألم أو عشق أو تأمل؛ يكتب لأن اللغة تغادره في الحياة فلا يجدها إلا على الورق؛ يكتب لأنه عاش، وتعب، وتشوه، ونجا كذلك القاص والروائي، لا ينسج حكاية من فراغ، بل من حيوات متناثرة في ذاكرته، من خيبات لا تشفى، من قراءات عبرت وجدانه، من بيئة صنعته وهدمته ثم أعادت صياغته من رماد أما الذكاء الاصطناعي، فهو لا يعرف الخيبة ولا الأمل، لا يعرف الغضب ولا اللذة، لا يكتب إلا لأنه مبرمج على توليد نص، مستندا إلى نماذج لغوية مسبقة هو أشبه بمرآة لانهائية تعيد عكس الأشياء، دون أن تفهمها أو تعانيها.
أيضا ثمة بعد أخلاقي في المسألة فحين يستخدم كاتب أو شاعر الذكاء الاصطناعي دون تصريح فإنه يرتكب نوعا من التزييف الثقافي، ويمنح نفسه مجدا لا يستحقه هذا غش حقيقي، لا يختلف عن من يسرق مقالا أو قصة وينسبها لنفسه بل قد يكون أخطر، لأن المظهر يوحي بالأصالة، والمجتمع الثقافي في كثير من الحالات لا يملك الوسائل لاكتشاف هذا التزييف ولنا أن نتخيل كم من المواهب الحقيقية ستقصى أو تهمش لأن الجوائز والمناصب تمنح لأشباه الكتاب ممن يحسنون التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي فقط.
وفي نهاية المطاف، فإن الذكاء الاصطناعي، مهما تفوق في المحاكاة، سيظل عاجزا عن أن ينتج شيئا يشبه الشعر حين يكون وجعا، أو الرواية حين تكون حياة موازية، أو القصة حين تكون مرآة باطنة، سيبقى قادرا على التزييف، لكننا مطالبون بأن نطور أدوات كشف هذا الزيف، وأن نحرس المعنى من السقوط في فخ السطحية والتقنية فالإبداع ليس مجرد نتاتج لغوي، بل هو مقاومة ضد التكرار، ضد التفاهة، ضد الاستنساخ وهذا ما لن تجيده الآلة، لكونها مجردة من المشاعر والأحاسيس وخصوصيات الإبداع البشري.