طالعتنا صحيفة (الوطن) الغرَّاء بتاريخ الـ(19) من يوليو بتحقيق صحفي بعنوان: «الذَّكاء الاصطناعي والأدب: صراع الإبداع والأصالة»، وقَدِ استضافت فيه عددًا من الكتَّاب والأُدباء الَّذين أجمعوا أنَّ الذَّكاء الاصطناعي أصبح معضلة في عالَم الأدب، وأوجد أسماء لا يعنيها من الأدب سوى القشور، مستغلِّين في ذلك برامج توليد النُّصوص أو برامج وتطبيقات الذَّكاء الاصطناعي. في نَفْس السِّياق، نَشَر الكاتب الصحفي سليمان المعمري في الزَّميلة عُمان بتاريخ الـ(5) من يوليو مقالة بعنوان «إلى كتبة الذَّكاء الاصطناعي: ارحمونا!» والَّذي وصَفَ هؤلاء بـ«الكتبة»، وفي الحقيقة هذا أقلُّ وصْف يُمكِن أن يُقال في حقِّهم، لا سِيَّما أولئك الَّذين يضعون خلف اسمهم لقب (د).
المفارقة والمُثير للسُّخرية في الموضوع، أنَّه في أواخر عام 2024، تبنَّتْ أستراليا قانونًا تشريعيًّا قضَى بمنعِ الأطفال دُونَ سنِّ السَّادسة عشرة من استخدام منصَّات التَّواصُل الاجتماعي ارتباطًا لِمَا يُسببه من أذىً نَفْسي بمختلف الأنواع، ومِنْها العزلة وغيرها من التَّأثيرات النَّفْسيَّة العميقة، لكن مؤخرًا ظهرتْ مؤشِّرات على أنَّ الحكومة الأستراليَّة تُعِيد تقييم هذه التَّجربة، فلقد تمكَّن الأطفال من التَّحايل على الآلة الرَّقميَّة وتغلَّبوا على جدران الحماية، سواءً بمساعدة البالغين أو حتَّى بأُسلوب تمويه تقدير العمر، والمفارقة السَّاخرة هنا: التِّقنية الَّتي أُنشئتْ لحماية الأطفال، هُزمتْ بذكاء الأطفال.
السُّخرية الأخرى هي أنَّنا وفي هذا العصر أصبحنا بحاجة لمِثل هذه القوانين من أجْل حماية (الإعلام) ممَّن أسمِّيهم الأطفال الكبار ـ إن جازتِ التَّسمية ـ، فقَدْ بلَغ التَّذاكي لدَى هؤلاء أنَّهم يستخدمون الذَّكاء الاصطناعي ليس في الصِّحافة والأدب فحسب، بل في الإعلام المسموع، ولكن من خلف السمَّاعة الهاتفيَّة فقط، و(افهم يا فهيم لماذا من خلف السمَّاعة فقط)، وأنَّه لَمِن المعيب أن نرى شريحة من «الكتبة» ارتضوا بأن يكُونُوا أطفالًا رقميِّين.
نحن سندخل في فصول مأساويَّة نتيجة الاستخدام الخاطئ من قِبل شريحة غير بسيطة لهذه الخوارزميَّات، ولقَدْ تناولتُ في هذه الصَّحيفة الغرَّاء «الوطن» بتاريخ (18 مايو 2025) مقالة بعنوان «الصَّديق الصَّدوق: الذَّكاء الاصطناعي» ما تناوله «مارك زوكربيرج ـ مؤسَّس الفيس بوك» عن نيَّته ورغبته الَّتي يسعى لها بأن يطوِّرَ الذَّكاء الاصطناعي لِيكُونَ بديلًا عن الصَّديق البَشَري الحقيقي، أي أنَّه ينوي إعادة تشكيل مفاهيم الصَّداقة والعلاقات البَشَريَّة، ولن أكُونَ مستغربًا إن سمعت في قادم الأيَّام بأنَّ الذَّكاء الاصطناعي فاز بجائزة ولقب شاعر المليون في قصيدة عَبَّرَ فيها عن اشتياقه لمحبوبته!!
رجوعًا إلى ما بدأتُ به المقالة، الذَّكاء الاصطناعي يُمكِن أن يخدمَنا في شتَّى مناحي الحياة، وأن يكُونَ داعمًا لنَا، ولكن آنَ الأوان جديًّا ألَّا نكتفيَ بتشخيص الأزمة الإعلاميَّة والأدبيَّة، بل أن نكتشفَ الطِّفل الكبير الَّذي يسرق من الذَّكاء الاصطناعي كما نكتشف الطِّفل الصَّغير عِندَما يكذب بأنَّه لم يسرقِ الحلوى، يَجِبُ أن نتحولَ إلى طريقة مهنيَّة، واسمحوا لي أن أقولَها بكُلِّ صدق: من اللازم على المؤسَّسات الإعلاميَّة إلى جانب الصحفيِّين اتِّباع خطوات جادَّة تَضْمن وضع ضوابط حقيقيَّة على الكبار الأطفال المتنمِّرِين على الإعلام بكُلِّ أنواعه، خصوصًا أولئك الَّذين وضعوا أمام اسمهم لقب (د).
المنتصر بن زهران الرقيشي
كاتب عُماني ـ الاتصالات الدولية والعلوم السياســـــية
مدرب متعاون في تنمية مهارات المدربين (TOT)
@mumtaserzr