رغم ماضيات السِّنين والأزمان بقيَتْ مدينة بابل تثير التَّساؤلات حَوْلَها وترتبط بها الأساطير، وصارتْ للبعض مصدرًا للفخر، فيما صارتْ للآخرين مصدرًا للخوف والضَّغينة والانتقام.
ومدينة بحجم بابل ودَوْرها في الحضارة العالَميَّة، حاول الخبير الآثاري العراقي الدكتور مؤيد سعيد أن يستعرضَ دَوْرها تاريخيًّا وحضارة في كِتابه الموسوم (بابل). وعلى مدى سبعة فصول احتواها الكِتاب جال عَبْرَها المؤلِّف في ثنايا ومَسيرة ودَوْر حضارة بابل الَّتي تحوَّلتْ إلى عامل محرِّك في كثير من الحضارات الَّتي أعقبتها وحتَّى في عصرنا الحالي.
وما يُعزِّز دَوْر بابل وتاريخها الرّقم الطينيَّة المكتوبة بالخط المسماري الأكدي الَّتي تُشير إلى أحيائها وقصورها ومعابدها وأسوارها وشارع الموكب. تقع مدينة بابل على جانبَي شط الحلَّة اليوم وهو أحَد فروع نهر الفرات الَّتي شيّدتْ بابل على جانبيْه.
إنَّ كِتاب (بابل) لن يكُونَ شافيًا ومُجيبًا على كُلِّ التَّساؤلات، لكنَّه ـ كما يرى المؤلِّف ـ محاولة لإظهار الحقائق، ومحاولة للتَّوثيق والرَّغبة في احتوائها سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وهو قدر صار مكتوبًا على بلاد الرافدين حتَّى يومنا هذا.
والكِتاب ـ كما جاء بمقدِّمته ـ تجتمع فيه المعلومات التَّاريخيَّة بالآثاريَّة لهذه المدينة وحكَّامها ومُلوكها، ستبقى معرَّضة للتَّصويب، لا سِيَّما مع زيادة المصادر المكتوبة بالخطِّ المسماري. ويُشير المؤلِّف إلى أهميَّة أقدم كِتاب عالَمي يصدر عن بابل، والَّذي يعتمد على وصف بابل في المصادر المعماريَّة وهو للعالِم الآثاري الألماني ايكهارد وكِتابه المُسمَّى (بابل المدينة المقدَّسة) وهو يحتاج إلى مراجعة كاملة وإعادة تدقيق لتنظيم معلوماته على ضوء النُّصوص الكتابيَّة حديثًا والبحوث الَّتي تقدَّم بنتائجها العلماء المختصون. ويُشير المؤلِّف إلى أنَّ الغاية من كِتابه هو توثيق المعلومات عن بابل باللُّغة العربيَّة مُجتمعة، وباختصار ويتوقف عِندَ نخبة من علماء الآثار العراقيِّين كما هو دَوْر دائرة الآثار العراقيَّة الَّتي ساعدتْ وعضدتْ من جهود هؤلاء العلماء في ميادين المعرفة لإبراز أهميَّة حضارة وادي الرافدين واكتشاف المعزّز لمدينة بابل وغيرها الَّتي كانتْ موجودة في الأزمان القديمة. وتُشير النُّصوص الأقدم إلى أن سرجون الأكدي دمَّر بابل ونقَل الأتربة إلى عاصمته الجديدة (أكد) كانتْ على بُعد (20) كيلومترًا عن بابل.
ينقل المؤلِّف قول عالِم الآثار سالفيني القول: إنَّ الكثير من فضائل بابل إلى العالَم ما زالتْ غير معروفة لدَيْنا، لكنَّ بابل أثرتْ في حضارات العالَم متزامنةً مع حضارات أخرى، بل إنَّها استمرَّتْ ليومِنا هذا سلبًا أو إيجابًا.
وطبقًا لهذا الدَّوْر والأهميَّة لمدينة بابل، فإنَّها ما زالتْ بعد القرون الوسطى تؤثِّر في الفكر العالَمي وملهمة للمعنيِّين بالتُّراث العالَمي؛ لأنَّ حقبة بابل كانتْ وما زالتْ محطَّ نظر ورصد واهتمام العالَم لِدَوْرها الرَّائد في كشفِ آثار الحضارات العالَميَّة.
يُشار إلى أنَّ مدينة بابل مُحاطة بأسوار منذُ العهد البابلي القديم، حيثُ تمَّ بناء سور حَوْلَها كما فعل ذلك ملوك آخرون. ويختم الخبير الآثاري العراقي مؤيد سعيد في آخر صفحات كِتابه بالتَّأكيد على أنَّ كِتابه لن يكُونَ الأوَّل ولا الأخير، ولن يكُونَ شافيًا ومُجيبًا على كُلِّ التَّساؤلات، لكنَّه بعيد عن الوهم والأساطير بفعل الدّيات القديمة والصِّراعات وعقدة الشَّرق القديم، وتحوُّله بفعل حضارة مثيرة ومحرضة للفكر المسيّس.
أحمد صبري
كاتب عراقي