الجمعة 25 يوليو 2025 م - 29 محرم 1447 هـ

رأي الوطن : استراتيجية التقنية الحيوية خطوة نحو المستقبل

الاثنين - 21 يوليو 2025 06:30 م

رأي الوطن

40


في عالَم يُعِيد ترتيب أولويَّاته على وقْع الأزمات المتلاحقة، تتقدم سلطنة عُمان بخطوة مختلفة، تَقُودها قناعة بأنَّ بناء المستقبل يبدأ من امتلاك أدواته، والتِّقنية الحيويَّة تُمثِّل اليوم أحَد أعمدته الأساسيَّة، وهذا التَّوَجُّه ينبع من قراءة دقيقة للواقع الَّذي يفرض خيارات صعبة في الغذاء والدَّواء والموارد الطبيعيَّة، هنا يُصبح الاستثمار في هذه التِّقنية شكلًا من أشكال السِّيادة العلميَّة والاقتصاديَّة، وشبكة أمان للغد، وعِندَما تختار السَّلطنة أنْ تدخلَ هذا المضمار ضِمن «رؤية 2040»، فإنَّها تختار أنْ تكُونَ جزءًا من السِّباق العالَمي نَحْوَ اقتصاد المعرفة، وتفتح الباب أمام جيلٍ جديد من الباحثين والمبتكرين كَيْ يصوغوا مصيرهم، فالحديث عن التَّنمية لم يَعُدْ متعلقًا بالمشروعات التقليديَّة، لكن بالمجالات الَّتي تملك قدرة التَّحوُّل، والتِّقنية الحيويَّة تقف في طليعتها، بما تتيحه من حلول تتجاوز المألوف وتُعِيد تشكيل مفاهيم الأمن القومي بمفردات علميَّة خالصة.

الاجتماع الثَّالث لِلَّجْنة الإشرافيَّة للتِّقنية الحيويَّة أتى لِيؤكِّدَ أنَّ المشروع يتحرك بثقة نَحْوَ بَلْوَرة استراتيجيَّة وطنيَّة، تعكس طموح الدَّولة واستعدادها لأداء أدوار متقدِّمة، فما قدِّم خلال الاجتماع كشَف عن شبكة عمل متداخلة تجمع أطرافًا متعدِّدة من المؤسَّسات والفِرق الوطنيَّة، شبكة تُدير المشروع بوعي تنفيذي يُراعي التَّحدِّيات ويبحث عن الفرص. ولعلَّ العَرض الَّذي قُدِّم أثناء الاجتماع، والَّذي تضمَّن خريطة تنفيذيَّة دقيقة، وبَيَّنَ كيف تسير الخطط وفْقَ جداول زمنيَّة واضحة، يؤكِّد أنَّ هناك رقابة من فِرق مختصَّة بخبرة وطنيَّة خالصة.. وهذا التَّراكم في الجهد يدلُّ على أنَّ المشروع يُدار بأُسلوب مؤسَّسي يربط التَّوَجُّه العلمي بالمسؤوليَّة الوطنيَّة، ويضع عُمان على طريق استثمار جادٍّ في مجال يحكم مستقبل الغذاء والدَّواء والطَّاقة والمعرفة.

اللافت في هذا المشروع أنَّ الدَّعم جاء عَبْرَ شراكة استراتيجيَّة بَيْنَ وزارة التَّعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040، وشركة أوميفكو ممثِّلة للقِطاع الخاصِّ، ما يعطي هذا التَّعاون تحوُّلًا في فلسفة الإدارة التنمويَّة، حيثُ يشارك القِطاع الخاصُّ في صياغة توجُّهات الدَّولة العلميَّة، ويُصبح طرفًا في إنتاج المستقبل، وتعيين الاستشاري المختصِّ عَبْرَ مناقصة علنيَّة يضيف بُعدًا من الشفافيَّة والمهنيَّة، ويمنح المشروع أساسًا تقنيًّا متينًا، وهذه الشَّراكة الثلاثيَّة تعكس نضجَ الفَهْمِ المؤسَّسي لأهميَّة التقنيَّة الحيويَّة، وتُبرهن على أنَّ السَّلطنة تعي أنَّ القفز إلى المراكز المتقدِّمة يحتاج إلى الخطط والتَّعاون البنَّاء المثمر.. فمن خلال هذا التَّعاون تتوسَّع مظلَّة المسؤوليَّة، وتتوزع الأدوار بما يجعل النَّجاح مسؤوليَّة الجميع، لا عبئًا حكوميًّا منفردًا.

الرِّهان الآن على مخرجات الاستراتيجيَّة، وعلى قدرتها في أنْ تتحولَ إلى مرجع تنفيذي، يصوغ سياسات حقيقيَّة، ومشروعات قابلة للقياس، وما تنتظره سلطنة عُمان من وراء إعداد هذه الاستراتيجيَّة، من أدوات عمليَّة تُمكِّن من إدماج التِّقنية الحيويَّة في برامج الصحَّة والزِّراعة والصِّناعة، وتجعل مِنْها مسارًا إنتاجيًّا واضحًا في الدَّوْرة الاقتصاديَّة، والطموح أنْ تفتحَ هذه الاستراتيجيَّة فرصًا تدريبيَّة واستثماريَّة للكوادر الوطنيَّة، وتوفِّر بيئة تُمكِّن العقول الشَّابَّة من أنْ تنخرطَ في مسارات علميَّة لا تُكرِّر النَّماذج، لكن تصنع الجديد، فالمستقبل هنا يصاغ على مَهل، بخيوط عِلم وإرادة، ومنهجيَّة، تصنع المستقبل للوطن والمواطن.