الثلاثاء 22 يوليو 2025 م - 26 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

الاستثمار الأجنبي بين الضرورة الاقتصادية والمخاوف الأمنية

الاستثمار الأجنبي بين الضرورة الاقتصادية والمخاوف الأمنية
الأحد - 20 يوليو 2025 01:10 م

محمد بن سعيد الفطيسي

30

لا شكَّ في أهميَّة الاستثمارات الأجنبيَّة لأيِّ اقتصاد وطني، ولا تقتصر تلك الأهميَّة لدَى الدوَل الصَّغيرة أو الاقتصادات الفقيرة، بل جذب الاستثمارات الأجنبيَّة مهمٌّ للغاية حتَّى للدوَل الكبرى.. ولأنَّنا لا نركِّز في هذا المقال على أهميَّة الاستثمارات الأجنبيَّة سنكتفي بالقول إنَّ الاستثمارات الأجنبيَّة ضرورة لا غنى عَنْها لأيِّ دَولة، فما بَيْنَ الحاجة للاستثمارات الأجنبيَّة ومخاطر تلك الاستثمارات تبقَى الدوَل في حالة من الحذر وضرورة العمل الأمني المهني لمراقبة تدفُّق وتعاملات تلك الاستثمارات الأجنبيَّة داخل الحدود الوطنيَّة.

إذًا في مقابل الاستثمارات الأجنبيَّة تأتي المخاطر، والَّتي يُمكِن التَّأكيد على أنَّ بعضها طبيعي نتيجة تلك العلاقة الاعتماديَّة والتبادليَّة بَيْنَ الاقتصاد الوطني والاستثمار الأجنبي، إنَّما بعضها الآخر ـ وهو ما يركِّز عَلَيْه هذا المقال ـ غير طبيعي، بل يدخل في مجالات تهدِّد الاقتصادات الوطنيَّة خصوصًا والأمن الوطني للدوَل بوجْهٍ عام. وباختصار، تهدف بعض تلك الاستثمارات إلى التَّغلغل إلى الحياة الوطنيَّة والشؤون الداخليَّة للدول، ومِنْها ما يكُونُ موجَّهًا للقيام بمهمَّات استخباراتيَّة، وبعضها الآخر يقصد به التَّخريب وتدمير الاقتصاد الوطني.

ومن أبرز تلك المخاطر المنبثقة عن الاستثمارات الأجنبيَّة وهي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ أوَّلًا: مساعي سيطرة بعض الجنسيَّات على الأصول الاستراتيجيَّة للدوَل (نفط، غاز، كهرباء، ماء، طُرق، معادن..إلخ)، ثانيًا: احتكار استيراد بعض السِّلع الحسَّاسة بالتَّعاون مع بعض المنتفعين في الدَّاخل الوطني عَبْرَ تكييف القوانين، ثمَّ شراء الذِّمم، والخطر هنا ليس في مسألة استيراد في حدِّ ذاته، بل في استغلال تلك السِّلع بهدف التَّجسُّس وتدمير الدَّاخل الوطني، ولعلَّ أبرزَ مثال حديث على ذلك قضيَّة الهواتف الَّتي اشتراها حزب الله اللبناني.

ثالثًا: مخاطر التَّجسُّس الاقتصادي والتِّجاري من خلال سرقة الأسرار التجاريَّة لتدميرِ المنافسِين. رابعًا: مساعي السَّيطرة الاقتصاديَّة على الدوَل عَبْرَ تمكين الشَّركات الخاصَّة، بالإضافة إلى إيجاد وضع قانوني لبعض الجاليات بهدف السَّيطرة على اقتصاد الدوَل مُعتمدة على التَّمدُّد مختلف الأشكال والضَّغط على الحكومات للاعتراف بهم ومعاملتهم مثل أهل الدَّولة في جميع الحقوق كإحدى وسائل الاستحواذ.

طبعًا ما سبَق ذِكْره ليس سوى موجز لبعض تلك المخاطر النَّاتجة عن الاستثمارات الأجنبيَّة في الدوَل والَّتي يُمكِن أن تهدِّدَ استقرارها وأمْنَها الوطني، وهذا الأمْر ليس مجرَّد هاجس أو عقدة الخوف من الأجنبي، بل تهديدات حقيقيَّة بمئات الأمثلة السنويَّة في مختلف أنحاء العالَم، مِنْها ما يُنشر ومِنْها ما يبقى طيَّ الكتمان لدواعٍ أمنيَّة.

على ضوء ما سبَق نُوصي بالآتي: أهميَّة تعزيز قوَّة وإمكانات المؤسَّسات الأمنيَّة الوطنيَّة العاملة على مراقبة الاستثمارات الأجنبيَّة، تعزيز الرَّقابة على حركة الواردات والصَّادرة الأجنبيَّة خصوصًا السِّلع الَّتي يُمكِن أن تستخدمَ في التَّجسُّس وارتكاب الجرائم (الاحتيال الإلكتروني) ومن بَيْنِها الجرائم الإرهابيَّة، يضاف إلى ذلك العمل على مراقبة تصرُّفات وسلوكيَّات بعض الجاليات الأجنبيَّة من جوانب مختلفة يقع على رأسها طُرق إدارة الاستثمارات وحركة الأموال (التَّحويلات) بالإضافة إلى طبيعة المشتريات من السَّلع الَّتي تدخل إلى الشَّركات الأجنبيَّة، يُضاف إلى ما سبَق الرَّقابة على حركة الاستثمار في الأُصول الوطنيَّة الاستراتيجيَّة.

ختامًا، وكما نُطالب بالحذر من مخاطر الاستثمارات الأجنبيَّة فإنَّ من الضَّروري أن توازي ذلك حركة دعم وتشجيع لجذب تلك الاستثمارات الأجنبيَّة، خصوصًا طويلة الأمد مِنْها؛ لِمَا لذلك من فوائد كبيرة في دعم الاقتصادات الوطنيَّة، بل ومن المُهمِّ للغاية تذليل كُلِّ الصِّعاب أمام المستثمِر الأجنبي الملتزم والجادِّ.

وبمعنى آخر: لا بُدَّ من وجود توازن ما بَيْنَ الحاجة للاستثمارات الأجنبيَّة في الدَّاخل الوطني والمخاطر الأمنيَّة الَّتي يُمكِن أن تنتجَ عن تلك الاستثمارات العابرة للحدود الوطنيَّة.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @