الاثنين 21 يوليو 2025 م - 25 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : الحس الأمني فـي موسم خريف ظفار

في العمق : الحس الأمني فـي موسم خريف ظفار
السبت - 19 يوليو 2025 01:40 م

د.رجب بن علي العويسي

40

في عالَم مفتوحة فضاءاته، متراكمة تحدِّياته، متسارعة متغيراته، يمثِّل الحسُّ الأمني قِيمة مضافة في حياة الفرد والمُجتمع الخاصَّة والعامَّة تستهدف رفع درجات الجاهزيَّة والتنبؤ والاستباقيَّة واستدراك الخطر والوقاية مِنْه للوصول إلى درجة عالية من الأمان والسَّكينة والطُّمأنينة والاستقرار، بحيثُ توافق ممارسات الفرد مع طبيعة الغايات والأهداف الوطنيَّة العُليا، وترقية جانب الرَّغبات والطُّموحات والاتِّجاهات وتهذيبها وتأصيل ثقافة الاعتدال والتَّوازن والمهنيَّة في علاقاته وتعاملاته وممارساته والمواقف اليوميَّة الَّتي يعيشها؛ فإنَّ نموَّ الحسِّ الأمني الشَّخصي والمُجتمعي والوطني تعبير أصيل عن وعي المُجتمع ورُقِي أفراده في تعاملهم مع مستجدَّات الواقع ومتطلباته وفهمهم لأدوارهم ومسؤوليَّاتهم، وتعايشهم مع الظُّروف الصَّعبة النَّاتجة عن انتشار الجريمة وقدرتهم على المساهمة الفاعلة في رسم الخريطة الأمنيَّة لمُجتمعهم وهُوِيَّته.

وعَلَيْه فإنَّ مقاربة عمليَّة لمفهوم الحسِّ الأمني وتجسيده في تحقيق الجاهزيَّة الأمنيَّة في خريف ظفار مؤشِّر نَوْعي يحمل في دلالاته ما يُشكِّله الأمن من خيار قوَّة في التَّنمية الوطنيَّة، حيثُ اتَّخذت فلسفة الأمن في سلطنة عُمان منحى عصريًّا متوازنًا، يتناغم في إنسانيَّته مع متطلبات الحياة اليوميَّة للمواطن، وعَبْرَ إدماج مفاهيم الأمن وقواعده ومرتكزاته ومصادره وبرامجه في برامج التَّنمية الوطنيَّة وتحقيق أولويَّة رؤية عُمان 2040، «مُجتمع إنسانه مبدع» لِيتَّجهَ للإنسان بكُلِّ ظروفه والعوامل المؤثِّرة فيه، في أبعادها النفسيَّة والاجتماعيَّة والفكريَّة والسُّلوكيَّة والأخلاقيَّة والغذائيَّة والجسميَّة والصحيَّة وغيرها، مراعيًا حاجاته وأولويَّاته واهتماماته، لبناء وطن آمِن مستقر، وإنتاج حياة آمِنة مطمئنة تنعكس نواتجها على استقرار المواطن المعيشي وأمنه على نفسه وماله وحياته، وقدرته على ممارسة عاداته السِّياحيَّة السَّليمة بأريحيَّة واطمئنان ودُونَ أيِّ منغِّصات، مستحضرًا قِيَم التَّسامح والتعدديَّة والحوار والانتماء والهُوِيَّة والقِيَم والسَّلام والسَّمت العُماني، محطَّات تجسِّد الهُوِيَّة الوطنيَّة التسويقيَّة لسلطنة عُمان وموقع موسم خريف ظفار، بوَّابة عُمان السِّياحيَّة والاستثماريَّة والتجاريَّة.

على أنَّ ما انتهجته قيادة شُرطة عُمان السُّلطانيَّة من سياسات مؤطّرة لرفدِ محافظة ظفار بقوَّة إسناد شُرطيَّة متكاملة في مختلف تشكيلات شُرطة عُمان السُّلطانيَّة وبمشاركة فاعلة من هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف؛ أحَد المؤشِّرات الاستباقيَّة لتعزيز الحسِّ الأمني، في ظلِّ قراءة منظوميَّة شاملة لمدخلاتها وعمليَّاتها ومخرجاتها، ودراسة المُقوِّمات والفرص، والمخاطر والتَّهديدات، والمعطيات والمؤشِّرات والإحصائيَّات، والتوقُّعات غير المدركة أحيانًا ذات الصبغة الاعتراضيَّة المفاجئة، وربط الظُّروف والمتغيِّرات والمؤثِّرات بمستجدَّات الواقع، وتعظيم منحى الرَّقابة والمتابعة والرَّصد الفَوري، ورسم سيناريوهات بديلة لمعالجة الحالة الطَّارئة وإدارة الحشود بكفاءة عالية، أو رفع مستوى القدرة الوطنيَّة على الحدس بالتوقُّعات والتنبُّؤ والاستعداد المسبق لقراءة الحالة، الأمْر الَّذي من شأنه أن يسهمَ تعزيز القدرات الأمنيَّة وتحقيق الانسيابيَّة والمهنيَّة واختصار سلسلة الإجراءات للوصول إلى قرار استراتيجي كفء يَضْمن الجديَّة والمهنيَّة في تحقيق الحسِّ الأمني.

هذا الأمْر يرتبط أيضًا ببناء مسار إعلامي واضح تتشارك فيه الرسالة الإعلاميَّة مختلف أدواتها ووسائلها العامَّة مِنْها والخاصَّة والحسابات الإخباريَّة وغيرها مع الإعلام الأمني في تعزيز التَّوعية والتَّثقيف وغرس القِيَم الأمنيَّة والأخلاقيَّة المعزّزة للحسِّ الأمني في كُلِّ القادمين إلى محافظة ظفار، وتعزيز نقاط المراقبة الأمنيَّة للجهات الأمنيَّة والعسكريَّة في نقاط عمل مشتركة، وتنفيذ عمليَّات مشتركة لتحقيقِ أهدافٍ ذات بُعد أمني، مثل التَّعامل مع المتسلِّلين أو الدَّاخلين إلى محافظة ظفار بطُرق غير قانونيَّة، أو مهرِّبي المخدرات والمتاجرين أو المتعاطين لها، أو تنفيذ عمليَّات مداهمة للحدِّ من بعض الظَّواهر السلبيَّة الَّتي تَقُوم بها العمالة الوافدة كممارسات لا أخلاقيَّة تتنافى مع الآداب العامَّة أو تتعلق بالغشِّ التجاري أو تجهيز العمالة الوافدة للأطعمة خارج موقع العمل وفي ظروف غير صحيَّة، أو تنفيذ هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف لبرامج إخلاء ومحاكاة للواقع الأمني الَّذي يتناسب مع بيئة محافظة ظفار للحدِّ من حوادث الغرق في البِرك والعيون المائيَّة والسقوط الجبلي أو تنفيذ برامج إنقاذ مائي في شاطئ المغسيل وغيره.

وانطلاقًا من أنَّ تعزيز الحسِّ الأمني مسؤوليَّة إنسانيَّة في الأساس تقع على العنصر البَشَري ذاته والتَّفاعل المُجتمعي بأسْره، لذلك تأتي أهميَّة تعزيز جاهزيَّة الإعلام الأمني في نَوعيَّة وكفاءة واستدامة وتنوع وتفاعليَّة برامج التوعيَّة والتثقيف والبناء الفكري والمعرفي لكُلِّ السيَّاح الَّذين يفدُونَ إلى محافظة ظفار في استنهاض هذا الشعور الجمعي واستنطاق القِيَم والمبادئ والأخلاقيَّات الدينيَّة والاجتماعيَّة والوطنيَّة في ممارسات الفرد واستخدامه للأدوات وتعامله مع التجهيزات والأجهزة، أو في محافظته على البساط الأخضر ومنع كُلِّ أشكال العبث والتَّخريب والتَّعدي على الممتلكات العامَّة أو تشويه صورة السِّياحة بالتَّفحيط في المسطحات الخضراء أو إقلاق الرَّاحة العامَّة وتعريض حياة السيَّاح للخطر، والقيادة المتهورة في الأحياء السكنيَّة والتجاوزات الخاطئة في الطَّريق أو التَّساهل في استخدام أدوات الأمن والسَّلامة وأدوات السِّباحة في المواقع المائيَّة، وبالتَّالي ما يعنيه ذلك من تعظيم مبدأ الشَّراكة الأمنيَّة وعَبْرَ اشراك مُجتمع محافظة ظفار والسيَّاح بمختلف الفئات من الكبار والصِّغار والرِّجال والنِّساء والمواطنين أو المقِيمين والزوَّار في الاشتغال بمفردات الحسِّ الأمني وتجسيده في واقع الممارسة اليوميَّة والتَّعامل الشَّخصي مع المواقف المستجدَّة، وتشجيع المواطن والمقِيم عَبْرَ أدوات متخصِّصة تَقُوم على السّريَّة والثِّقة والأمانة في الإفصاح أو الإبلاغ عن أيِّ أحداث مشبوهة.

وفي ظلِّ ما أفصح عَنْه ملخَّص جهود شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في منصَّة (X) من انتشار بعض الظَّواهر السلبيَّة مثل ممارسة أعمال مخلَّة بالآداب والأخلاق العامَّة، والتسلُّل غير المشروع ومساعدة متسلِّلين على الدخول أو التَّهريب، وحيازة وتهريب المخدرات والمؤثِّرات العقليَّة، والاحتيال من خلال استبدال عملات مزوَّرة أو إنشاء مواقع إلكترونيَّة مزيَّفة، والإعلانات الزَّائفة أو الشَّركات الوهميَّة أو غيرها من الجرائم الَّتي باتتْ تنتشر في المُجتمع وتُمارَس من بعض الأفراد عَبْرَ عصابات إجراميَّة دوليَّة (العمليَّة النَّوعيَّة الَّتي أنجزتها شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في تعقُّب السَّائحة الصينيَّة في يوليو 2025 نموذجًا)، مواقف وموجّهات تضعنا اليوم أمام القِيمة المضافة النَّاتجة عن تعزيز الحسِّ الأمني في المُجتمع باعتباره أداة استباقيَّة في تقدير مستوى الخطر وترتبط باستدامة الجاهزيَّة والاستعداد والتنبُّؤ بالمخاطر والتَّعامل مع المواقف والأحداث الصَّعبة، وتعزيز الثِّقة المُجتمعيَّة والشَّراكة الأمنيَّة عَبْرَ إبلاغ الجهات المختصَّة عِندَ حدوث أيِّ ممارسة تُعَبِّر عن وقوع إحدى هذه الجرائم، بالإضافة إلى توسيع قاعدة التَّواصُل المُجتمعي الأمني مع مُجتمع المحافظة.

أخيرًا، يبقى ترسيخ الحسِّ الأمني اليوم مسؤوليَّة مُجتمعيَّة تتشارك المؤسَّسات والأفراد والمنظومات المُجتمعيَّة ومؤسَّسات المُجتمع الأهلي في تحقيقها، كُلُّ في مجال اختصاصاته والفرص والأدوات والممكنات والصلاحيَّات الممنوحة له حمايةً للوطن وصونًا لمكتسباته، وحفظًا للنَّفْس والعِرض والمال، من أن تمسَّها أيادي العبث النَّاتجة من انتشار الظَّواهر الجرميَّة، وتبنِّي أُطر مشتركة لإدارة العمليَّات الذَّكيَّة القائمة على استخدام الأدوات النَّوعيَّة في تعقُّب المتسللين والمهربِينَ والاحتيال الإلكتروني والمتجاوزين للقانون وغيرهم، وبالتَّالي استخدام أنسَب الأساليب في التَّعاطي مع مستوى الخطورة النَّاتجة، والمراقبة الاستشعاريَّة عن بُعد، الَّتي تَضْمن القدرة الفائقة على إصابة الهدف بكُلِّ دقَّة، للقناعة بأنَّ اتِّساع الجريمة الاقتصاديَّة يُهدِّد الاقتصاد الوطني، ويُعيق جهود التَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، من واقع أنَّها تصرف اهتمام الدَّولة إلى القضايا الأمنيَّة مع زيادة الإنفاق عَلَيْها وتوجيه كُلِّ طاقاتها لمكافحتها ممَّا يؤدِّي إلى تأخر المستهدفات التنمويَّة الوطنيَّة، وتقلِّل من فرص جذب الاستثمارات والمحافظة على دخول الأموال إلى السَّلطنة؛ نظرًا لِمَا تحتاجه نظريَّة الاستثمار من بيئة آمنة ومستقرَّة تقلُّ فيها نسبة الجرائم والفساد، مع وجود قوانين تجمع بَيْنَ الإنتاجيَّة والمرونة والكفاءة والقوَّة الَّتي تضع حدًّا لهذه الثَّغرات والمقلقات. وهكذا يُمكِن قياس هذا التَّأثير على خريف ظفار، فإنَّ وجود بيئة آمنة تحافظ على السَّائح من الاحتيال الإلكتروني والمخدرات والسَّرقة والغشِّ والتزوير أو التلاعب بحقوقه النفسيَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة من خلال ضبط المطاعم والمقاهي الَّتي لا تلتزم باشتراطات الصحَّة وجودة الغذاء أو غيرها من الممارسات الَّتي ترفع درجة القلق وتزيد من شعور السَّائح بالخطر، لا شكَّ سيكُونُ لها علاقة بتمديد فترة بقائه في محافظة ظفار للاستماع بموسم الخريف، والتفكير في العودة مرَّة أخرى في المواسم القادمة أو العكس، محطَّات تستجلي عظمة مشهد التَّكامل الوطني والأمني النموذج في الإبقاء على الحسِّ الأمني في خريف ظفار وكُلِّ شِبر من أرض عُمان الطيِّبة خيار قوَّة، يًعَبِّر عن الثَّوابت الوطنيَّة والسَّمت العُماني لِتظلَّ عُمان من مسندم إلى ظفار واحة الأمن والسَّلام والاستقرار.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]