تتنوع أدوار الجمعيَّات في المُجتمع، فمِنْها جمعيَّات خيريَّة حيثُ تقوم بنقل التَّبرُّعات من المقتدرين إلى المحتاجين، ومِنْها جمعيَّات نفع عام كالجمعيَّات الَّتي تقدِّم خدمات للمُجتمع مثل جمعيَّات رعاية المسنِّين، ومراكز تأهيل المعوقين، ومِنْها الجمعيَّات الَّتي تُعنى ببرامج التوعيَّة مثل الجمعيَّات الصحيَّة، وجمعيَّات التَّوعية بريادة الأعمال وغيرها من الجمعيَّات، وهي في مجموعها تقدِّم خدمات اجتماعيَّة في إطار التَّكافل الاجتماعي والتَّعاون بَيْنَ أفراد المُجتمع. ومهما كان نَوع النَّشاط الَّذي تُقدِّمه الجمعيَّة، إلَّا أنَّ لكُلِّ جمعيَّة تنظيمًا إداريًّا واحدًا استنادًا للمواد الواردة في قانون الجمعيَّات الَّذي رخصتْ عَلَيْه، حيثُ تكاد تتشابه التنظيمات الإداريَّة في غالبيَّة الجمعيَّات في مختلف الدول، وهي أن يكُونَ لها مجلس إدارة مرشح من قِبل السُّلطة العُليا للجمعيَّة وهي الجمعيَّة العموميَّة، حيثُ تتكوَّنُ الجمعيَّة العموميَّة من الأعضاء الَّذين أتموا إجراءات تسجيل العضويَّة وأوفوا بالتزاماتهم تجاهها، وعلى مجلس الإدارة تشكيل لجان لتنفيذ أنشطة مختلفة حسب تخصُّص الجمعيَّة، كلَجْنة المؤتمرات، أو لَجْنة البحث الاجتماعي، أو لَجْنة الرِّعاية الصحيَّة وغيرها من اللجان وذلك لتتمكن هذه اللجان من تنفيذ برامج وأنشطة تحقق أهداف الجمعيَّة. ويتكونُ أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء اللجان من متطوِّعين يعملون بِدُونِ مقابل مادِّي. ولكن قد يتسع نشاط الجمعيَّة لِيشملَ الحاجة لتعيين موظفين بها يعملون مقابل أجر، وتبرز الحاجة لتعيين موظفين لعدَّة أسباب مِنْها الحاجة لوجود موظفين إداريِّين ملتزمين بالعمل لمدَّة سبع ساعات يوميًّا كالمحاسب، أو المدير التَّنفيذي، وقد يكُونُ للحاجة لتقديم خدمات فنيَّة تخصصيَّة كتعيين ممرِّضين لرعاية المسنِّين أو أخصائي تأهيل لتأهيل المعوّقين وغيرهم. وقد يتسع نشاط الجمعيَّة ليصلَ عدد الموظفين لعشرات الموظفين، وفي هذه الحالة يَجِبُ إعداد هيكل إداري تنظيمي وفْقَ أنظمة وقواعد اختصاص إدارة الموارد البَشَريَّة، وسواء زاد عدد الموظفين في الجمعيَّة، أو كان عددهم محدودًا فهم يخضعون لقوانين وتشريعات قوانين التوظيف في القِطاع الخاصِّ، فينطبق عَلَيْهم ما ينطبق على موظفي القِطاع الخاصِّ من حقوق وواجبات، كالأجور، والإجازات والمكافآت بأنواعها، وطبيعة العقود المبرمة بَيْنَ الموظف وبَيْنَ جهة العمل وهي الجمعيَّة. وفي جميع الأحوال يَجِبُ وضع وصف وظيفي لكُلِّ موظف في الجمعيَّة، ويُقصد بالوصف الوظيفي بأنَّه صحيفة تحدّد لكُلِّ وظيفة حيثُ يبَيَّن فيها: اسم الوظيفة، وموقع الوظيفة في الهيكل التنظيمي الإداري، وتبعيَّة الموظف، أي تحديد المسؤول المشرف على الموظف والموظفين الَّذي يشرف عَلَيْهم إن وجد، وقنوات التَّواصل مع باقي الموظفين، كما يحدد الوصف الوظيفي عدد ساعات العمل، وتوزيعها إن كانتْ صباحيَّة أو مسائيَّة، أو مَرِنة حسب الحاجة، ومكان عمل الموظف إن كان مكتبيًّا في مقر الجمعيَّة أو عمله في موقع العمل كأن تعملَ الباحثة الاجتماعيَّة من خلال زيارات منزليَّة للأُسر المحتاجة، أو يعمل الممرض في غرف النوم للمسنين، كما يَجِبُ تحديد المهام الَّتي يقوم بها الموظف بوضوح وبكُلِّ تفصيل، ولا بُدَّ من أن يتضمنَ الوصف الوظيفي المخاطر الَّتي قد يتعرض لها الموظف من خلال هذه الوظيفة، وما هي البدلات الَّتي يحصل عَلَيْها الموظف كبدل خطر، كأن يتعرضَ أخصائي تأهيل المعوّقين للضرب من قِبل المعوّق أو المتخلِّف عقليًّا، والإصابات بكسور مثل كسر في عظمة الأنف، وغيرها من المخاطر. ويُشكِّل عناصر الوصف الوظيفي مرجعًا لوضع مؤشِّرات الأداء للوظيفة، وهي المؤشِّرات الَّتي يُقيّم أداء الموظف استنادًا لها، وفي ضوء هذا التَّقييم يجدِّد عَقد الموظف أو يلغى حسب الإجراءات القانونيَّة، أو يحصل على ترقية أو مكافأة. كما تُشكِّل هذه الصحيفة مرجعًا فاصلًا عِندَ النزاع بَيْنَ الموظف وبَيْنَ جهة العمل (الجمعيَّة)، أو عِندَ تقديم شكاوى من الجمهور المستفيدين من خدمات الجمعيَّة ضدَّ الموظف. إنَّ التزام الجمعيَّة بوضع صحيفة الوصف الوظيفي لكُلِّ وظيفة يعزِّز مبادئ الحوكمة في عمل الجمعيَّة ويجعل العمل أكثر تنظيمًا، ولوضوح صحيفة الوصف الوظيفي الَّذي يحدِّد للوظائف بالجمعيَّة أهميَّة كبرى في تنظيم العمل، وتوزيع المهام بالجمعيَّة، ويحدّد قنوات التَّواصل بَيْنَ الموظفين ممَّا يصنع مناخًا آمنًا ومريحًا ومتزنًا في بيئة عمل الجمعيَّة، كما ينظّم العلاقات بَيْنَ الموظفين، ويقلّل النزاعات بَيْنَهم، كما يعزِّز الشعور بالرضا لدى الموظفين ممَّا يحقق الاستمراريَّة في عمل الموظفين، ويحفِّز الموظف على رفع كفاءته وحُسن أدائه للعمل. وتقديم خدمات أفضل للنَّاس والمُجتمع... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
Najwa.janahi@