الاثنين 21 يوليو 2025 م - 25 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : الابتكار .. دعامة الاقتصاد الحديث ورهان المستقبل

السبت - 19 يوليو 2025 06:30 م

رأي الوطن

40

يتسابق العالَم أجمع لتحقيق مراكز متقدِّمة في الاقتصاد المعرفي، حيثُ أضحى الابتكار أحَد أهمِّ محرِّك للتَّنمية الشَّاملة في عصرنا الحديث، وأصبح ضرورة اقتصاديَّة تفرضها طبيعة التَّحدِّيات، والمنافسات العالَميَّة. ومن هذا المنطلق أدركتْ سلطنة عُمان مبكرًا أهميَّة التَّحوُّل نَحْوَ نموذج اقتصادي يرتكز على الابتكار والإبداع، فجعلَتْه إحدى الرَّكائز الجوهريَّة لرؤية «عُمان 2040»، فالرُّؤية وضعتْ خريطة طريق طموحة تستند إلى دعم البحث العلمي، وتطوير البنية الأساسيَّة والرَّقميَّة، وتعزيز بيئة ريادة الأعمال، ومع هذا التَّوَجُّه الجادِّ، برزتِ الحاجة إلى مؤشِّرات دقيقة لتقييمِ التَّقدُّم المُحرز. وهنا تأتي أهميَّة مؤشِّر الابتكار العالَمي كأداة معياريَّة تقيس مدى نضج المنظومة الوطنيَّة للابتكار وتفاعلها مع مستجدَّات العصر.

هذا التَّوَجُّه الاستراتيجي ترجم إلى خطوات عمليَّة، كان آخرها الاجتماع الحادي والعشرين للفريق الوطني، لتحسينِ أداء سلطنة عُمان في مؤشِّر الابتكار العالَمي، والَّذي مثَّل خطوةً نَوْعيَّة في تعميق الفَهْم المؤسَّسي، لكيفيَّة تفعيل أدوات القياس والمحاكاة، حيثُ ناقش الاجتماع مخرجات حلقة العمل الَّتي نظَّمتها لجنة (الإسكوا)، بما وفَّره من تقنيَّات محاكاة ومنهجيَّات تحليل الفجوات، وتكمن الأهميَّة هنا في استيعاب هذه الأدوات، وتحويلها إلى خطوات تنفيذيَّة، تُسهم في تحسين ترتيب السَّلطنة ضِمن المؤشِّر، ومن خلال استعراض الخطوات العمليَّة لإعداد الخطَّة الاستراتيجيَّة متوسِّطة الأمد، وتعزيز فِرق العمل المعنيَّة بالسِّياسات والبيانات، بدا واضحًا أنَّ السَّلطنة تتبنَّى نهجًا تشارك فيه مختلف المؤسَّسات، مدعومًا بتكامل بَيْنَ الجهات الحكوميَّة، والمراكز البحثيَّة، كما تكمن أهميَّة هذا الاجتماع كونه تخطَّى حدود المراجعة، وسعَى إلى تأسيس مرحلة جديدة من العمل المؤسَّسي القائم على المعطيات الدَّقيقة، والرُّؤية الواضحة.

واستمرارًا لهذا المسار، يضطلع الفريق الوطني بِدَوْر محوري يتجاوز التَّنسيق، إلى التَّقييم العميق والمتواصل لأداء الابتكار في السَّلطنة؛ إذ يتولَّى دراسة التَّقارير الدوليَّة، وتحليل عناصر القوَّة الَّتي يُمكِن البناء عَلَيْها، إلى جانب تحديد مكامن الخَلل الَّتي تستدعي تدخُّلًا عاجلًا. ويشمل هذا التَّحليل بنية التَّعليم، وتمويل البحث العلمي، وجودة البيانات الإحصائيَّة، إضافةً إلى البيئة القانونيَّة الدَّاعمة للملكيَّة الفكريَّة، وذلك من خلال التَّركيز على تطوير رأس المال البَشَري، وربط التَّعليم بالاحتياجات المستقبليَّة، كما يسعَى الفريق إلى دفع الابتكار لِيصبحَ مُكوِّنًا عضويًّا في السِّياسات الاقتصاديَّة، ويُولِي أهميَّة خاصَّة لتوجيه الابتكار نَحْوَ أهداف التَّنمية المستدامة، بما يُعزِّز كفاءة استخدام الموارد، ويوفِّر حلولًا تقنيَّة للتَّحدِّيات الوطنيَّة.. وبهذا التَّوَجُّه يصبح الابتكار أداة إصلاح شاملة، قادرة على إعادة صياغة العلاقة بَيْنَ الاقتصاد والمُجتمع.

ويبقَى أنْ ندركَ أنَّ ترسيخ الابتكار يحتاج إلى بنية أساسيَّة معرفيَّة، تعمِّق مفاهيم الإبداع، منذُ المراحل الدراسيَّة الأولى، وتشجِّع على التَّجريب، وتمنح المخاطر المحسوبة مكانًا في ثقافة الأعمال، وهنا تبرز أهميَّة المبادرات الحكوميَّة في دعم بيئة الابتكار، وذلك من خلال تشريعات مَرِنة، وتمويل محفِّز، وشراكات نَوعيَّة بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ، كما يَجِبُ أنْ تشملَ الخطط الوطنيَّة آليَّات دقيقة لقياس الأثَر، وتقييم الأداء، ومراجعة السِّياسات باستمرار، فسلطنة عُمان تمتلك اليوم إرادة سياسيَّة واضحة، وأدوات تنفيذيَّة واعدة، ورؤية مستقبليَّة تستند إلى تمكين الإنسان العُماني؛ لِيكُونَ فاعلًا لا تابعًا في اقتصاد ما بعد النِّفط، ومع التَّفعيل الذَّكي لهذه المنظومة، يُمكِن لعُمان أنْ تتحولَ إلى مركز إقليمي للابتكار، وتُحققَ قفزات نَوْعيَّة في تنويع مصادر الدَّخل، وبناء اقتصاد حديث يستمدُّ قوَّته من الفكر والمعرفة.