الجمعة 18 يوليو 2025 م - 22 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

طوق النجاة فـي نبذ الخلافات

طوق النجاة فـي نبذ الخلافات
الأربعاء - 16 يوليو 2025 01:32 م

جودة مرسي

150

تباين المواقف العربيَّة واختلافها تجاه بعض القضايا فتح المجال للقوى الخارجيَّة الَّتي تسعى إلى توسعة رقعة الفرقة بَيْنَ الدول العربيَّة، وتغذية الفتنة بَيْنَ المُجتمعات إن لم يكُنْ داخل المُجتمع الواحد، ممَّا أسْهَم في إيجاد أرضيَّة لتغذية هذه الخلافات والفِتن، على الرّغم من أنَّه في حقيقة الأمْر ما هو في صالح أيِّ دَولة عربيَّة بالتأكيد هو في صالح بقيَّة الدول العربيَّة الأُخرى، وأنَّ ما يصيب دَولة واحدة بالشَّر يصيب بقيَّة الدول، (مَثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى مِنْه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى)، نظرًا لأنَّ القضايا مشتركة والمصير واحد والعدوَّ واحد والصَّديق أيضًا واحد، وللتغلُّب على الخلافات العربيَّة الَّتي تختفي تحت الرَّماد وتطفو أحيانًا أُخرى، ويكُونُ تأثيرها سلبيًّا للغاية على علاقات الشُّعوب، سواء بَيْنَ الدول أو داخل المُجتمعات، يتطلب اتِّخاذ نهجًا شاملًا يدمج البُعد السِّياسي، الاجتماعي، الثَّقافي والدِّيني. يؤدِّي إلى تعزيز الحوار العربي ـ العربي، وإلى فتح قنوات التَّواصُل المباشر بَيْنَ القادة والسِّياسيِّين، وعدم الاعتماد فقط على الوسطاء الخارجيِّين الَّذين يسعون إلى مصالحهم ومصالح دولهم فقط فتكُونُ تدخلاتهم أداةً للفرقة أكثر مِنْها للتصالح ولمِّ الشَّمل، مع وضع أولويَّة لبحثِ القضايا الخلافيَّة في بيئة منفتحة وصريحة عن طريق عَقْد قمم دَوْريَّة (رسميَّة وشَعبيَّة)، مع الاعتراف بالتنوُّع واحترام السِّيادة، وقَبول الاختلافات السِّياسيَّة والمذهبيَّة كجزء من الواقع العربي، احترام سيادة كُلِّ دَولة، والامتناع عن التدخُّل في شؤون الدول الأُخرى، تفعيل القوانين والقرارات الَّتي نتجتْ عن الاجتماعات الدَّوْريَّة الَّتي تحثُّ على التَّكامل الاقتصادي وتطوير مشاريع اقتصاديَّة مشتركة تعزز المصالح المتبادلة؛ لأنَّ الرَّوابط الاقتصاديَّة تقلِّل فرص الصِّراع، والاهتمام بإنشاء أسواق عربيَّة موَحَّدة والَّتي طال الحديث عَنْها لسنواتٍ طويلة، ونوقش تفعيلها في العديد من المؤتمرات وقتلتْ بحثًا من الخبراء والمختصِّين، ولم تفعَّلْ للآن بَيْنَ كافَّة الدول العربيَّة وتمَّ الاكتفاء بالاتفاقيَّات الثنائيَّة الَّتي تُعَدُّ على أصابع اليد الواحدة، نتيجة وضع العراقيل لتنفيذِها من القوى الخارجيَّة الَّتي تعلم أنَّ إنشاء السُّوق العربيَّة المشتركة سيضرُّ باقتصادها وستنقطع عَنْها الموارد الَّتي ستَعُود بالمنفعة على الشُّعوب العربيَّة. ومن أبرز تلك الخطوات أيضًا البحث عن آليَّة ملزِمة بالحرص على الإعلام الإيجابي لمحاربة (الذُّباب الإلكتروني) الَّذي انتشر في بعض الدول العربيَّة ويستخدم لتصفية الحسابات وإشعال الفتنة بَيْنَ الشُّعوب العربيَّة، وهو ساحه خصبة للتطاول وإشعال المواقف الَّتي تُؤجج الخلافات، وفي المقابل دعم وسائل الإعلام الَّتي تُعزِّز ثقافة الوحدة والتَّسامح والانتماء العربي المشترك، إحياء الهُوِيَّة الثَّقافيَّة العربيَّة المشتركة، التَّركيز على اللُّغة العربيَّة، والتَّاريخ المشترك، والدِّين، والأدب العربي كعوامل توحيد، دعم مناهج التَّعليم الَّتي تُرسِّخ روح الوحدة لا التَّفرقة.

ثم يأتي دَوْر الشُّعوب والمُجتمع المَدَني في تمكين المنظَّمات الشبابيَّة والثَّقافيَّة والنسويَّة من بناء علاقات عَبْرَ الحدود تخلق روابط إنسانيَّة خارج السِّياسات الرسميَّة، مع تطوير آليَّات لحلِّ النِّزاعات العربيَّة بطُرق سلميَّة وفعَّالة بعيدًا عن الأيادي الخارجيَّة ومَن يعاونوهم في الدَّاخل بتصدير الفتنة والسِّلاح والمال لجعلِ نار الفرقة تتَّسع لِيظلَّ الوطن العربي مستباحا لهم بخيراته ومقدراته الَّتي لا يوجد لها مثيل في أيِّ منطقة بالعالَم.. إنَّ الأحداث الجسام الَّتي تشهدها المنطقة واختلاف الرُّؤى واشتعال فتيل الأزمات، وخرائط العدوِّ الصُّهيوني للحدود الجديدة الَّتي يسعى لتنفيذها، وتركنا الشَّعب الغزاوي وحيدًا يواجه تلك الخرائط والمُخطَّطات، تتطلب الإسراع في الوحدة العربيَّة ونَبْذ الخلافات وأحلام الزعامَّة الزَّائفة، لِنجدَ طَوق النَّجاة لمستقبلِنا العربي، وإلَّا سيكُونُ مصيرنا القادم مع تلك المؤامرات شديد الصُّعوبة.

جودة مرسي

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن »