واحد من أوائل قرارات حكومة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق (1968ـ2003) كان جزءًا من خطَّة مندفعة للتَّأميم (أي «لتعريق» كُلِّ ما هو أجنبي أو مملوك من جهة أجنبيَّة، غربيَّة خاصَّة). والحقُّ، فإنِّي لستُ متأكدًا من أنَّ الأمْر كان يرتكن إلى نَوْع من عواطف أو فوبيا «كراهية الأجنبي» والتَّحسُّس مِنْهXenophobia ، رهاب الأجنبي.
وعلى كُلِّ حال، فقَدْ تمَّ تمرير قرارات تأميم «جامعة الحكمة» الأميركيَّة ببغداد، وكُليَّة بغداد الَّتي كان يُديرها ويعمل بها الآباء اليسوعيون الأميركان، أقول مررتْ هذه القرارات كحزمة موائمة ومتناغمة مع هبَّة «الوطنيَّة» و»القوميَّة» «التقدميَّة» ضدَّ «الاستعمار» والإمبرياليَّة.
أستذكر هذه الأيَّام الَّتي تواءمتْ مع مدٍّ جماهيري قوي، ولكن متعامٍ اعتمد الخوف من الأجنبي والشُّكوك بنيَّاته وأهوائه، خصوصًا إذا ما كان بريطانيًّا أو أميركيًّا أو فرنسيًّا!
وهكذا خسر العراق جامعة أميركيَّة ذات مستوى أكاديمي رفيع، ناهيك عن خسارته لـ»كُليَّة بغداد» الَّتي أسّستْ لجيلٍ راقٍ من المؤهلين لاحتلال مقاعد الدِّراسة في تلك الجامعة الرَّفيعة، ثمَّ للابتعاث إلى الجامعات الرَّاقية في إحدى دول العالَم الغربي.
ودارتِ الأيَّام والسَّنوات حتَّى جاء عام 2003، وإذا بالنِّظام يتهاوى ثمَّ يسقط على أيدي غزو أجنبي أميركي ـ بريطاني متحالف مع عشرات من حكومات العالَم الأُخرى وجيوشها (ومجموعها ثلاثون دَولة)!
وهكذا، تلاشتْ هبَّة كراهية الأجنبي والحقد على الغرب، وإذا بالجامعات والكُليَّات الأجنبيَّة تُعاود الظُّهور وكأنَّها «تنبع» هنا وهناك من وقتٍ لآخر، ابتداء من إقليم كردستان العراق وكأنَّ العراقيِّين كانوا يعانون من نقص «ثقافة أجنبيَّة»: فظهرتْ جامعة أمیريَّة ببغداد، وأتوقع أن تنبت جامعات غربيَّة أُخرى عَبْرَ مُدُن وحواضر العراق الرَّئيسة الأُخرى، طاويةً حقبة الجامعات الوطنيَّة الَّتي حظِيَتْ بعناية مركَّزة، بل ومثمرة بعد عمليَّات التَّأميم أعلاه، إذ تتوَّجتْ بتأميم النِّفط العراقي، على سبيل الاستعاضة بالوطني عن الأجنبي الدَّخيل !
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي