ترسل شمس أصيل مسقط قبل رحيلها أشعتها لتعكسها قبة مسجد الخور الذهبية لتنثر رونقها الجميل في فضاء السماء الزرقاء، راسمة بهذا المشهد لوحة خيالية تبهر بجمالها الأخاذ من يشاهدها، يجثم مسجد الخور على مقربة من الشاطئ محاذيًا لقصر العَلَم الذي يحكي قرونًا من سيرة عُمان العطرة في مقاومة المحتل البرتغالي حينذاك، سُمي مسجد الخور بمسجد الشهداء لكثر صلاة الجنائز به إبان حصار المدينة وسقوط عدد من الشهداء العُمانيين الغيورين على بلدهم العزيز، المقاومين الذين يضحون بأرواحهم الزكية من أجل أن يبقى وطنهم عزيزًا حُرَّا، كما هو حال أي شخص تحاول قوى معادية احتلال بلده. مسجد الخور الذي تحول إلى منارة علم يقصدها الطلبة العُمانيون من مُدن وقُرى بعيدة لينهلوا من صنوف العلم الإسلامي بكافة فروعه، كان الأستاذ جميل أحد هؤلاء الذين سخروا وقتهم وجهدهم في سبيل العِلم الشرعي الإسلامي راسمًا في باله أنه سينفع بهذا العِلم مُجتمعه ووطنه، يتخرج من هذا المسجد قضاة ومُعلِّمون ووعَّاظ ينخرطون في علمهم الجليل بعد أن يتلقوا العِلم على أيدي مشايخ أجلَّاء، وهذا ما حدث تمامًا للمُعلِّم جميل.. فمن رحاب مسجد الخور حمل على عاتقه أمانة نشر العِلم الذي تلقَّاه على يد مشايخه، ولم يكتفِ بنقل ونشر العِلم فحسب، بل كان مصلحًا اجتماعيًّا في وسط مُجتمعه، يلجأ إليه المتخاصمون ويهوِّن على المحتاج ويعمل بكافة السُّبل على مساعدة الجميع دون استثناء. يحكي المُعلِّم جميل عن بداية حياته حيث عمل في الزراعة مع والده وإخوته يغرس أمل الحياة وراحة العيش في كل بذرة وشتلة يزرعونها، وعلى أثر شظف العيش في تلك الحقبة من السنين شدَّ رحاله ليبتغي العمل في إحدى دول الخليج حاله كحال الكثيرين من أترابه ومعارفه، لِيعودَ مجددًا لبلده بعد تولِّي السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ، وتعود دائرة الحياة لوطنه، ويكون المُعلِّم جميل الشخص المجاهد في العِلم الحاني للناس المصلح بينهم القاضي لحاجات المعسرين دون أي رياء وتفاخر، ورُبَّما أسرد ما ذكرت هنا؛ كوني أحد أبنائه الفخورين به وبمكانته المُجتمعية، وبأُسلوبه المتزن وصفاته الجليلة التي زرعت تلقائيًّا في أبنائه وأهله. وتستمر رحلة الحياة وتبقى الذكريات شهادة على سيرة هذه الشخصية الفذَّة، فهو المُعلِّم الوقور الذي يكن له الجميع وافر الاحترام والتقدير، وإجمالًا لم ولن نوفي حقه مهما تحدثنا وأسهبنا فسنظل مقصِّرين، نسأل الله أن يمدَّ في عمره، ويوفقَه لسبيل الخير والرشاد، ويمدَّه بموفور الصحة والعافية.
على النعماني
كاتب عماني