الخميس 17 يوليو 2025 م - 21 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : الشرق الأوسط الجديد هل بدأ تنفيذه؟

أوراق الخريف : الشرق الأوسط الجديد هل بدأ تنفيذه؟
الثلاثاء - 15 يوليو 2025 01:31 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

50

ستظلُّ منطقة الشَّرق الأوسط منطقة اهتمام العالَم، فمِنْها يستورد النِّفط والغاز، وأكبر المناطق استهلاكًا وطلبًا للغذاء والدَّواء، وأيضًا منطقة صراعات وتحتاج للسِّلاح، وبها تلتقي كُلُّ المصالح الإقليميَّة والعالَميَّة ومنطقة حضارات وثروات..! وبالأمس القريب كان آخر الصِّراعات والحروب بَيْنَ العدوِّ الصُّهيوني وإيران بدعمٍ أميركي غربي لا محدود، وبالأمس استجاب الحزب الكردي لدعوة الرَّئيس أردوغان وسلَّم السَّلاح واستغنى عن أفكاره ورحَّب بالسَّلام ودخول الحياة السِّياسيَّة كحزب سياسي، وهو استشراف للشَّرق الأوسط الجديد الَّذي يستهدف تركيا أيضًا كما يستهدف إيران ودول المنطقة. وعلى لبنان، أن يتخذ نَفْس الخطوة، وتتفق كُلُّ الجهات والمُكوِّنات على وحدة الصَّف ورأب الصَّدع، لِيعودَ لبنان جوهرة سلام وتعايش بَيْنَ كُلِّ الأطياف يجمعهم سقف واحد اسمه لبنان الأرز «الشجرة المعمرة» الصامدة. فالقوَّة الأميركيَّة «الإسرائيليَّة» ما زالتْ تستهدف دول المنطقة واقتصاداتها وعلماءها وقيادتها وإضعاف قوَّتها ولحمتها الاجتماعيَّة والدينيَّة من خلال سيناريوهات بدأت في الثمانينيَّات تغيِّر المناهج الإسلاميَّة، وإدخال مواد في الهواتف مجانيَّة تؤثر على القِيَم الدينيَّة، وإدخال برامج ومسلسلات أميركيَّة أثرت على الأخلاقيَّات والسلوكيَّات وهي تستهدف المُجتمع العربي والإسلامي. ثم جاءتِ العولمة، وأثرها على العرب والإسلام والتَّنمية الثَّقافيَّة، وشبكات التَّواصُل الاجتماعي، وكُلُّ هذه الحروب مستمرة وفْقَ دراسة وسياسات تنفَّذ، سواء بالشكل العسكري أو المعلوماتي (القوَّة النَّاعمة) عن طريق المسلسلات والأفلام والمناهج والإعلام والمسابقات الَّتي وصلتْ للمنطقة والَّتي تتنافى مع القِيَم الإسلاميَّة والسَّمت العربي. ثم دعم «المثليَّة» وألوانها والحُريَّة الموجَّهة للعرب وللمُسلِمِين، ومكانة المرأة، كُلُّ ذلك لزعزعة وتهميش المنطقة من الداخل رويدًا رويدًا، وقد أسهمتِ المسلسلات المدبلجة في ذلك، حملات مستمرة مدعومة غربيًّا لتهزَّ القِيَم الإسلاميَّة في المُجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة. ومن هنا وهناك تحدِّيات عَلَيْنا مواجهتها ومنعها في مدارسنا وجامعاتنا، فالقِيَم التربويَّة بَيْنَ الإسلام والغرب مختلفة، والحفاظ عَلَيْها يتطلب التمسُّك بالدِّين الإسلامي والسنَّة النبويَّة، وعَلَيْنا الانتباه بأنَّ الغرب متوافق مع هذه التوجُّهات الأميركيَّة ومتعاون لزعزعة الوطن العربي والإسلامي من الداخل، وها نحن نرى اليوم تعامل القيادة الأميركيَّة مع القادة والرؤساء بكُلِّ تعالٍ وغرور وهو سيناريو آخر من الغطرسة للسيطرة من خلال التهديد الاقتصادي على العالَم. فالأحداث تتواصل، أزمات ماليَّة ـ وكورونا ـ وضرائب عالية ـ وقوَّة إعلاميَّة وتحركات سياسيَّة تروج لحلِّ الدولتين ـ دُونَ مصداقيَّة، بل نرى الكيل بمكيالين، وهناك دول كبرى تنظر نظرة بعيدة المدى إلى نهاية السيناريو، فهي لا تغامر بالانحياز في مواقفها في الشَّرق الأوسط؛ لأنَّ دول الشَّرق الأوسط والمنطقة هي أصلًا غير متَّفقة، وتراهن على أميركا والغرب، والتحركات الدبلوماسيَّة الباردة، ووحدتنا وقوَّتنا في ترتيب البيت من الداخل بعيدًا عن الخطابات الأيديولوجيَّة. فما تَقُوم به «إسرائيل» في فلسطين، وسوريا، ولبنان، وضربها لإيران، له أبعاد سياسيَّة وهي تتطلع للمكاسب المستقبليَّة والتقسيم الجديد، لتعزيز طموحها لبناء نظام أمني جديد قائم على رؤيتها وأهدافها وأحلامها مع الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجيَّة بالولايات المُتَّحدة الدَّاعمة الرَّئيسة لها، فالسيناريوهات مستمرة كقوَّة ناعمة مع خلق التوتُّرات، وكُلُّها تتماشى مع رؤية نتنياهو. ومن الواضح أنَّ القوى الدوليَّة، سواء كانتْ أوروبا أو الولايات المُتَّحدة، لا ترغب بأن ترى المنطقة متَّفقة وموحَّدة ومزدهرة، لذا ما زلتُ أتذكر مواقف الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ طيَّب الله ثراه ـ ومواقفه من القضيَّة الفلسطينيَّة، الشخصيَّة العربيَّة الَّتي جمعت بَيْنَ أخلاق الفارس وبراعة السِّياسي. فلا حل إلَّا بحلِّ الدولتين، ولا اعتراف إلا بحل القضيَّة مطلقًا، ورفض أيِّ شكل من أشكال التطبيع مع «إسرائيل» طالما لم يتمَّ تحقيق سلام عادل وشامل يضمن حقوق الشَّعب الفلسطيني.. واليوم وما يحدُث في المنطقة وفي بلاد الشام يوحي بأنَّنا أمام تغيير جديد لسايكس بيكو، فهل حان وقته وتنفيذه، أم للقادة العرب رأي آخر ومواجهة هذا التحرك الصهيوني الغربي الخفي..؟ والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]