الأربعاء 16 يوليو 2025 م - 20 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : شراكة لا تستقيم التنمية بدونها

الثلاثاء - 15 يوليو 2025 06:30 م

رأي الوطن

10

عِندَما يفتح المجال أمام المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة للدُّخول في منظومة العقود الحكوميَّة، فذلك يعني أنَّنا أمام تحوُّل حقيقي في بنية الاقتصاد الوطني، فهذا القِطاع هو محرِّك مَرِن للنُّمو يُمكِنه الوصول إلى زوايا السُّوق الَّتي تعجز عَنْها الكيانات الكبرى. ومع كُلِّ ما يحمله الاقتصاد الوطني من طموحات، لا يُمكِن أنْ تنجحَ خطط التَّنويع دُونَ إشراك فعلي لهذه المؤسَّسات في الدَّوْرة الاقتصاديَّة، لذا كشَفَ اللِّقاء الَّذي نظَّمته هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلِّي مع روَّاد الأعمال عن نضج في الوعي المؤسَّسي بأهميَّة هذا الدَّوْر، حيثُ كان اللِّقاء منصَّة لنقاش العقبات واقتراح حلول ترتكز على الواقع، لا على الأُمنيات. الأهمُّ أنَّ الهيئة فتَحتِ المجال للاستماع المباشر من أصحاب المصلحة أنْفُسهم، ما يُعزِّز ثقافة المشاركة ويُعِيد الثِّقة في أنَّ الطَّريق نَحْوَ اقتصاد أكثر عدالةً يبدأ من الاعتراف الحقيقي بمقدرات هذه المؤسَّسات ودَوْرها في التَّنمية.

لقَدْ أظهر اللِّقاء الَّذي جمع الهيئة بروَّاد الأعمال بوضوح أنَّ هذه الشَّريحة من المؤسَّسات لدَيْها الاستعداد لتقديمِ الأفضل، لكنَّها تنتظر أنْ تجدَ بيئة مُنصفة تَضْمن لها التَّنافس بأدوات عادلة، فالنِّقاش كان عميقًا، شمل ملفات شائكة مِثل تأخُّر الصَّرف، وغياب الدَّعم الفنِّي، والتَّعقيد في شروط التَّأهيل المسبق، وهي شروط تجعل الكثير من المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة تُجبر على الانسحاب أو تفقد قدرتها على التَّوَسُّع بسبب هذه المُعوِّقات! ومعالجة تلك التَّحدِّيات لا تحتاج إلى إنفاق ضخم، وإنَّما إلى فَهْم دقيق لطبيعة أعمال هذه المؤسَّسات، وتصميم سياسات تتناسب مع مرونتها، لا تعيقها؛ وذلك اعتمادًا على مبدأ بسيط، وهو حين تتكافأ الفرص، تنمو الأعمال، ويتعزَّز الاقتصاد المحلِّي من القاعدة إلى القمَّة.

حين تحصل مؤسَّسة ناشئة على فرصة تنفيذ مشروع حكومي، فهي تدخل تجربة ستُغيِّر مسارها بالكامل، هذه التَّجربة تتَّسع لِتشملَ بجانب المال، التَّعلُّم الميداني، وبناء الثِّقة، وتوسيع علاقاتها مع السُّوق والمؤسَّسات الأخرى. لذلك فإنَّ تخصيص نسبة واضحة من العقود الحكوميَّة لهذا القِطاع هو قرار اقتصادي يُسهم في بناء جيل جديد من المقاولين والمورِّدين الوطنيِّين، فكثير من المؤسَّسات الَّتي انطلقتْ بفرصة واحدة تحوَّلتْ لاحقًا إلى شركات مُتَوَسِّطة تُسهم في التَّشغيل، وتصدر خدماتها خارج الحدود، والقِيمة الحقيقيَّة للعقود الحكوميَّة تكمن في قدرتها على صقل الكفاءات، ورفع سقف الطُّموح المهني، وإدماج المؤسَّسات المحليَّة في سلاسل القِيمة الكبرى.. ومن الضروري أنْ تكُونَ هذه العقود مصحوبةً بإجراءات متابعة وتقييم شفَّافة؛ حتَّى لا تتحولَ إلى عبء على المؤسَّسة أو على الدَّولة.

إنَّ النَّجاح في تمكين المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة لا يُمكِن أنْ يتحققَ بجهود متفرِّقة، حتَّى وإن كانتِ النيَّات صادقةً. فالتَّكامل بَيْنَ هيئة المشاريع والمناقصات وهيئة تنمية المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة خطوة مهمَّة، لكنَّها في حاجة إلى خريطة تنفيذ دقيقة، تَضْمن توزيع الأدوار وتوحيد الجهود، فالسُّوق لا ينتظر، والمؤسَّسات لا تستطيع أنْ تبقَى رهينة التَّجارب الجزئيَّة، ما نحتاجه اليوم هو منظومة متكاملة تبدأ من الدَّعم الفنِّي، وتصل إلى التَّوجيه الاستراتيجي، مرورًا بتمويل ميسّر، ومرافقة حقيقيَّة في مراحل التَّنفيذ، فهذه المؤسَّسات تحتاج إلى مَن يفهم آليَّات عملها، ويستثمر في تطويرها من الدَّاخل.. صحيح أنَّ المؤشِّرات الَّتي تمَّ عرضها خلال اللِّقاء تكشف عن تطوُّر إيجابي في أعداد المؤسَّسات الحاصلة على بطاقة (ريادة)، لكن هذا لا يكفي إن لم يُترجم إلى عقود فعليَّة، ونُمو حقيقي في الإيرادات، فالتَّكامل المؤسَّسي حين يفعَّل بجديَّة، يُصبح الحاضنة الفعليَّة لريادة الأعمال الوطنيَّة، ويَمنح الاقتصاد المحلِّي وجْهًا أكثر صلابةً واستدامة.