يحكى أن رجلًا أضاع مفاتيحه داخل شقته المظلمة، فخرج إلى الشارع يبحث عنها تحت أعمدة الإنارة. سأله أحد المارة: «عمّاذا تبحث؟» فأجاب: «عن مفاتيح بيتي». فسأله: «وأين أضعتها؟» قال: «داخل شقتي». اندهش الرجل وقال: «ولماذا تبحث عنها في الخارج؟» فأجابه: «لأن الداخل مظلم، أما الشارع فمضاء!»
هذه القصة الرمزية تعكس حال كثير من الناس، لا سيما الشباب الباحثين عن عمل، والمتقاعدين، وكل من يشعر بالتيه أو فقدان الاتجاه. فكم من شخص يحمل في داخله كنوزًا من القدرات والمهارات، لكنه لا يراها، لأنه ببساطة لم يُنر داخله بما يكفي، ولم يتح له أن يتأمل ذاته بصدق.
في هذا السياق، أتذكر قصة شابة تخرجت من دبلوم التعليم العام، لكنها لم تحصل على المعدل الذي يؤهلها لدخول الجامعة. أصابها الإحباط، وباتت حائرة لا تعرف ما تفعل بحياتها. ذات يوم، التحقت بدورة تدريبية في الكوتشينج، وهناك بدأت رحلة اكتشاف الذَّات من خلال التطبيقات العملية والجلسات التفاعلية.
ومع كل تمرين وكل حوار، بدأت تتكشف لديها جوانب كانت غائبة عنها. وفي لحظة وعي صادقة، أدركت أنها تملك شغفًا قديمًا تجاه صناعة العطور. ذلك الشغف الذي لطالما تجاهلته عاد للحياة، فبدأت تبحث، وتقرأ، وتخوض تدريبات، حتى أصبحت تصنع عطورها الخاصة، وتحوّل مسارها من الحيرة إلى الإبداع والإنتاج.
ما حدث مع هذه الشابة يمكن أن يحدث مع أي شخص، فقط إن وجد من يساعده على توجيه الأسئلة التمكينية التي تفتح له آفاقًا غير محدودة وفرصًا قيِّمة جدًّا له الطريق. وهنا تأتي أهمية الكوتشينج، ليس كحل جاهز، بل كمصباح داخلي يساعد الإنسان على رؤية ذاته، وتقدير إمكاناته، واكتشاف فرصه الخاصة في الحياة.
كل إنسان ـ شابًّا كان أو متقاعدًا أو باحثًا عن فرصة ـ يحمل في داخله طاقة تحتاج فقط إلى من يُحرِّكها. وما أحوج مؤسساتنا التعليمية والتوظيفية إلى إدماج الكوتشينج كمسار تمكيني حقيقي، يساعد الناس على التبصّر في مواردهم وتحديد وجهاتهم.
في زحام الحياة، قد تتوه الخطى، وتضيع البوصلة، ويغدو الوصول إلى الأهداف كحلم بعيد المنال. وهنا يسطع نور الكوتشينج، لا كترف فكري، بل كضرورة إنسانية تمكّننا من العودة إلى الداخل، حيث تكمن الإجابات، وتولد الرؤى، وتتبلور الإرادة.
الكوتشينج هو مصباح الوعي الذي يكشف مناطق العتمة في دواخلنا، ويضيء لنا دروبًا لم نكن نراها وسط التشتت والضجيج. إنه ليس حلًّا جاهزًا، بل رحلة مشتركة تنبع من ثقة، وتُبنى على أسئلة جوهرية، وتثمر قرارات نابعة من الذَّات.
فليكن الكوتشينج بوابتك الأولى نحو التمكين الحقيقي… التمكين الذي يبدأ من الذَّات، ويمتد إلى الحياة.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية