الثلاثاء 15 يوليو 2025 م - 19 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

لماذا اختفت صفحة: «ابحث عن صديق» من الصحف؟

لماذا اختفت صفحة: «ابحث عن صديق» من الصحف؟
الاثنين - 14 يوليو 2025 01:28 م

نجوى عبداللطيف جناحي

10

عِندَما تُقلِّب صفحات المجلَّات القديمة ـ خصوصًا مجلَّات الأطفال ـ تجد بها صفحة تُعرف باِسْمِ (ابحث عن صديق) أو (زاوية الأصدقاء) أو (أصدقاء ماجد)، أو أيِّ عنوان بهذا المعنى. وكان القُرَّاء يُرسلون صوَرَهم ومعلومات مختصرة عَنْهم كالاِسْمِ والعنوان والهواية، ويختار القارئ أحَد الأسماء المنشورة فيراسله ويتعرف عَلَيْه، وينشئ معه علاقة صداقة، وكثير من هذه الرَّسائل لا تتسلم الرَّد، ولكنَّ البعض يظلُّ يتواصل مع هذا الصَّديق الَّذي تعرَّف عَلَيْه عَبْرَ صفحات المجلَّة، وقليل مِنْها ما تطوَّر إلى درجة تبادل الزِّيارات، ولكن يبقى السؤال: لماذا كانتْ تخصَّص صفحة للتَّعارف ولإنشاء صداقات؟ ولماذا اختفتْ هذه الصَّفحات؟ إنَّ الصَّفحة كانتْ تُلبِّي حاجةً إنسانيَّة لدَى القُرَّاء، وهي الحاجة لبناء صداقات، سواء في نَفْس البلد الَّذي يعيش فيه القارئ أو خارجه. وقد غابَ هذا النَّوْع من الصَّفحات عن صفحات صحف الأطفال أو الكبار؛ لوجود البديل، إذ أصبح التَّواصُل سهلًا بَيْنَ النَّاس في مختلف دوَل العالم، وقنوات الصَّداقة باتتْ مفتوحة ميسَّرة للجميع، وهذا يؤكِّد مدى حاجة الإنسان لبناء الصَّداقات والتَّواصُل مع النَّاس.

فهل لك أن تتصورَ شخصًا يعيش دُونَ أن يكُونَ له صديق يرافقه درب الحياة، لعلَّ هذا ضرب من المستحيل، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بِدُونِ رفيق في حياته، وكلمة صديق مشتقَّة من الصِّدق، وكلمة الصِّدق كما جاء في المعجم الوسيط هو: الكامل من كُلِّ شيءٍ. يُقال: رُمح صِدْق: مُسْتَوٍ صُلبٌ. ورجُل صَدَق اللقاءَ: ثَبَتَ فيه. والصِّدق يُحيل في العربيَّة على المتانة والصَّلابة والقوَّة. والصِّدق «وصفٌ للمخبَر عَنْه على ما هو به» أو كما قال الأصفهاني: «مطابقة القول الضَّمير والمُخبَر عَنْه معًا، ومتى انخرم شرطٌ من ذلك لم يكُنْ صدقًا تمامًا». والصِّدق في ميزان الإسلام هو «روح الأعمال»، ومنزلة الصَّادق تالية لمنزلة النبوَّة كما جاء في القرآن الكريم: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}.

والصَّديق هو الشَّخص الَّذي نستأمنه ونثقُ به لِيقينِنا بصدقِه في تعامله معنا، وهو ملازم لنَا ويُشبهنا في أفكاره وطباعه، وذوقه ومزاجه، وهو قريب منَّا إلى درجة أنَّه يفرح لفرحنا ويحزن لحزنِنا، وهو ملجؤنا الَّذي نشعر فيه بالرَّاحة والسَّكينة والحُريَّة، فلا نتصنع أمامه، ولا نتقيَّد في سُلوكيَّاتنا معه حتَّى نصلَ لدرجة العفويَّة والتلقائيَّة في تعاملنا معه، والصَّديق يُجنِّبنا آلام الوحدة وبَيْنَ يدَيْه نجد حلولًا لمشاكلنا، وبَيْنَ يدَيْه تنطلق ضحكاتنا ونبتلع دموعنا، فمعه نصنع الذّكريات الجميلة لِتكُونَ هي منبعًا لسعادتنا.

ولأهميَّة الصَّديق في حياة الإنسان، وكونه يساعد الإنسان على تحقيق التَّوازن النَّفْسي أقرَّتِ الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة في عام 2011م يوم الثَّلاثين من يوليو من كُلِّ عام يومًا عالميًّا للصَّداقة، واضعةً في اعتبارها أنَّ الصَّداقة بَيْنَ الشُّعُوب والبُلدان والثَّقافات والأفراد يُمكِن أن تصبحَ عاملًا مُلهمًا لجهود السَّلام، وتُشكِّل فرصةً لبناء الجسور بَيْنَ المُجتمعات، ومُواجهة وتحدِّى أيِّ صوَر نمطيَّة مغلُوطة والمُحافظة على الرَّوابط الإنسانِيَّة، واحترام التَّنوُّع الثَّقافيّ.

لقدْ كانتْ فرص بناء علاقة صداقة لأبنائنا متاحةً بَيْنَ أبناء الجيران، أو الأصحاب في المدرسة أو أعضاء النَّادي، وكان الآباء يحرصون على مراقبة ومتابعة أبنائهم في اختيارهم لأصدقائهم، فيتحققون من أخلاقهم ويتعرفون على أهلهم وأُسرتهم ليطمئنُّوا أنَّ هذا الصَّديق صديق صالح، وليس صديق سوء؛ لِمَا لعلاقة الصَّداقة من أثَرٍ على سُلوك الأبناء فقديمًا قالوا «الصَّاحب ساحب». أمَّا اليوم فباتَ من الصَّعب على الآباء مراقبة صداقات أبنائهم، فَهُم يتعرفون عَلَيْهم من خلال وسائل التَّواصُل الاجتماعي، وقد يكُونُ هؤلاء الأصدقاء من نَفْس البلد أو من خارجه، قد يكُونون عربًا أو من مُجتمعات أجنبيَّة لهم ثقافات مغايرة، فيصعب على الآباء متابعة تلك العلاقة. من هنا تكمن أهميَّة أن نربِّيَ أبناءنا لِيكُونوا قادرين على النَّقد والتَّقييم، وأن تكُونَ لدَيْهم مهارات اختيار الأصدقاء، وأن نضعَ بَيْنَ يدَيْهم المسطرة الَّتي بها يقيسون مدَى ملاءمة هذا الصَّديق، ومدَى ملاءمة ثقافته مع ثقافتنا، وهذه المسطرة هي قِيَمنا العربيَّة والإسلاميَّة وثقافتنا، ولا يكفي أن يتعرفوا على قِيَمنا وثقافتنا، بل أن يعتزوا بها لِتكُونَ هي المقياس والمرجع في اختيارهم لصداقاتهم، فالصَّديق الصَّدوق هو من خير نِعم الله على عبده... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected]

Najwa.janahi@