تصدَّرتْ عناوين الصحف ووسائل الإعلام في مصر مؤخرًا أنباء سرقة مذيعة تليفزيونيَّة لعددٍ من اللوحات الفنيَّة لرسَّامين عالميِّين من الدنمارك وألمانيا وفرنسا والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، كانتْ منشورة على المنصَّات الرقميَّة المهتمَّة بالفنِّ التشكيلي؛ بهدف تسويقها والترويج لمبدعيها، الَّذين لم يدرْ بخلدهم أن يأتي شخص بكُلِّ ثقة، وينسب هذه الأعمال لِنَفْسه دُونَ أن يحركَ ريشة أو يمزج لونًا أو حتَّى يكلف نَفْسه عناء نقلها للوحة أخرى، فقدِ اصطحبتِ المذيعة اللوحات المسروقة، وعلى إحداها توقيع صانعها، وتوجَّهتْ للبرنامج، وأعطت فريق الإعداد «الفلاشة»، وبدأ عرض اللوحات على شاشة ضخمة، تزامنًا مع بدء مذيعة البرنامج الشَّهيرة، تقديم الضَّيفة، والحديث عن موهبتها الفنيَّة الَّتي تفجرتْ فجأة، وأثمرتْ هذه اللوحات الفنيَّة المُعَبِّرَة، راحتِ الضَّيفة تشرح اللوحات وتصف للمشاهدين كيف أنَّ اللوحة الأولى تُعَبِّر عن القهر الَّذي تتعرض له المرأة، والثَّانية انعكاس للأعباء المتزايدة الَّتي تثقل كاهل المرأة الأُم في العمل داخل وخارج المنزل، وأخذتْ تسترسل في شرح الثَّالثة والرَّابعة، وسط ثناء المذيعة وانبهار الحاضرِين.
مرَّتْ أيَّام على عرض الحلقة، وصحَا المصريون على بوست لرسَّامة دنماركيَّة، تستغيث من سرقة لوحتها الَّتي أنجزتها في 2019، بعنوان «صنعت لنفسي أجنحة» ونشرتها على حسابها على «إنستجرام»، وتفجَّرتِ الفضيحة، بعدما توالى كشف السَّرقات، فلم تكتفِ المذيعة بسرقة لوحة واحدة، بل استولتْ على (4) لوحات لأربعة رسَّامين من جنسيَّات مختلفة، اضطرّتِ المذيعة للاعتراف بالسَّرقة، وطلبتِ السَّماح والغفران من أصحاب الأعمال والاعتذار للبرنامج والجمهور الَّذي غشَّته، كما أصدر البرنامج بيانًا يعلن فيه تعرُّضه للتضليل من الضَّيفة، وأعاد نشر اللوحات مع صوَر أصحابها، وأعلنتْ مذيعة البرنامج أنَّها تواصلتْ مع أصحاب اللوحات الأصليِّين، ودَعَتْهم لزيارة مصر والاستضافة في البرنامج، وإن كان هذا الاعتذار لا يعفي فريق البرنامج من التقصير، في التقصِّي عن اللوحات قَبل عرضها، ومبالغة مقدِّمة البرنامج في الحديث عن موهبة الضَّيفة الَّتي هبطتْ عَلَيْها فجأة، في مجاملة فجَّة لزميلة لم يمرَّ على دخولها مجال الإعلام شهور معدودات.
تبَيَّنَ فيما بعد أنَّ إحدى الفنَّانات التشكيليَّات المصريَّات هي مَنِ اكتشفتْ سرقة اللوحات، وهالها ما شاهدَتْه في البرنامج، فاتَّصلتْ بالرسَّامة الدنماركيَّة، كما يُحسَب للشَّعب المصري تفاعله مع «بوست» الرسَّامة الدنماركيَّة، واعتذاره لها، وتبرُّئه ممَّا أقدَمتْ عَلَيْه المذيعة، كما سارعتِ المحطَّات التلفزيونيَّة لاستضافة الفنَّانة الدنماركيَّة، الَّتي فوجئتْ بكمِّ الاهتمام من بلد يفوق سكَّانه الـ(110) ملايين، بَيْنَما سكَّان الدنمارك لا يتجاوزون (6) ملايين، وأبدتِ الفنَّانة سعادتها بالاحتفاء بلوحتها رغم تعرُّضها للسرقة، واكتشفنا أنَّ الفنَّ التشكيلي لا يعاني في الشرق فقط، بل يعاني أيضًا في الغرب وأنَّ الفنَّانين فقراء، حيثُ استنكرتِ الفنَّانة إقدام شخصيَّة ثريَّة على سرقة عملها الَّذي تعبتْ وضحَّتْ من أجْلِ إنجازه، في تلميح إلى أنَّه كان بوسع المذيعة تسوية الموضوع ووأد الفضيحة، لو اتَّصلتْ بها وقامتْ بترضيتها معنويًّا وماديًّا. حادثة السَّرقة هذه لم تكُنِ الوحيدة، فقد سبَقَها سرقات كثيرة، لعلَّ أحدثها كان لفنَّانة تشكيليَّة، سطتْ على أعمال رسَّام روسي، واستطاعتِ الحصول على مناقصة ضخمة، لتجميل محطَّات مترو الأنفاق الجديدة في القاهرة، ولكن خطيئتها أقلّ من السرقة الأخيرة، حيثُ إنَّها استعانت باللوحة الأصليَّة في تصاميمها للوحات، ولم تنقلْها بحذافيرها، ورغم الفضيحة وتحويل أمرِها للنيابة والقضاء، لم يتَّعظِ السَّارقون، ودفعتهم الحماقة والغباء، لاقتراف نفس الجريمة، في زمن «جوجل» والذَّكاء الاصطناعي.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري