عِندَما نتوقف عِندَ ثورة وحَّدت العراقيِّين عام 1920 ضدَّ الاحتلال البريطاني فإنَّنا نستذكر أبرز رموزها الَّذين مهَّدوا الطَّريق لثورة فتحتِ الأبواب مشرعة أمام طليعة مقدامة من العراقيِّين لبّوا نداء الواجب؛ لتخليص العراق من مشاريع الاحتلال الَّتي كانتْ تتقاطع مع طموحات العراقيِّين وأهدافهم الوطنيَّة. وحسنًا فعلتْ هيئة علماء المُسلِمِين في العراق عِندَما خصَّصتْ أُمسية مجلس الخميس الثَّقافي في ديوانها لتسليط الضَّوء على الذكرى الخامسة بعد المئة لثورة العشرين الكبرى في العراق، من خلال توثيق سيرة أحَد أبرز أعلامها الشَّهيد (عبد المجيد كنّه) وأثَره في إعلاء سقف الثَّورة وحمايتها وزيادة زخمها في بغداد، ولا سِيَّما أنَّه أوَّل شهيد تعدمه سُلطات الاحتلال البريطاني آنذاك؛ بسبب جهاده في ثورة العشرين ومواقفه المناهضة للاحتلال. وقدَّم مسؤول القِسم السِّياسي في الهيئة الدكتور (مثنى حارث الضاري) لمحاتٍ مُشرقة في هذا الشَّأن، بحضور جمع من أبناء الجالية العراقيَّة وضيوف الهيئة في العاصمة الأردنيَّة عمَّان، مستعرضًا فيها لمَحات من سِيرة حياة الشَّهيد (كنّه) ومناقبه، ومواقفه، وما دوَّنَه المؤرخون من أحداث تعينه طوال مدَّة حياته.
والشَّهيد عبد المجيد بن حسن آل كنَّه البياتي وُلد سنة (1887م) في محلَّة (الفضل) بالجانب الشرقي من بغداد، عُرف بتوجُّهاته الوطنيَّة منذُ وقت مبكر من حياته؛ حيثُ كانتْ مرحلة شبابه دالَّة على روحه الوثابة، وانشغاله الكبير بهموم أُمَّته ووطنه؛ لكونه نشأ في رحاب وأجواء جامع محلَّة (الفضل) المعروف، وكان قريبًا من علوم وهمَّة وتأثير كبار علماء العراق ورجال الإصلاح فيه، كما يوضح الضاري.
لقد قاوم (عبد المجيد كنّه) الإنجليز في الشعيبة بالبصرة سنة (1914م) مشتركًا مع ثوار عشيرته (البيات) في معركة الشعيبة، ثمَّ شارك بعد سنوات في تأسيس (جمعيَّة حرس الاستقلال) عام (1919م)، الَّتي كان لها أثَر بالغ في تنظيم العمل الوطني وقيادته، ثمَّ التَّمهيد لثورة العشرين وانطلاقتها. إنَّ (كنّه) أسَّس عِندَ اندلاع ثورة العشرين جماعة خاصَّة به في بغداد سمَّاها (حزب الدِّفاع) لا تتعارض في مِنْهاجها وأهدافها عن مِنْهاج جمعيَّة الحرس ـ الَّتي هو من مؤسِّسيها ـ وأهدافها، حزبًا ضمَّ إِلَيْه الشبَّان الَّذين يُعتمد على وطنيَّتهم وشجاعتهم. وأدَّتِ الأنشطة والعمليَّات الوطنيَّة ـ الَّتي دأب الشَّهيد (عبد المجيد كنّه) وجماعته على القيام بها ـ إلى اعتقاله ومحاكمته وإعدامه في شهر (أيلول/سبتمبر 1920م)، وما تلا ذلك من تشييعه ودفنه، في مشاهد وثَّقها المؤرخون بوصفها أعظم وأكبر مراسم تشييع تشهدها بغداد في تلك الحقبة تُظهر مكانتْه وأثره الكبيريْنِ في شرارة ثورة العشرين، وما اقتضته من عمل وطني يُعَبِّر عن مناهضة الاحتلال البريطاني، ويسعى إلى تحرير العراق وخلاصه. ويوصف عبد المجيد كنّه 1887-1920م بأنَّه ثائر عراقي كبير قاوَم الإنجليز إبَّان احتلالهم للعراق في الحرب العالميَّة الأولى، بغدادي ومن محلَّة الفضل العربيَّة العريقة، وأسْهَم في بواكير الثورة العراقيَّة الكبرى 1920 بفعالية ونشاط. تُعَدُّ ثورة العشرين في العراق (1920) حدثًا تاريخيًّا مهمًّا في مسار مناهضة الاحتلال البريطاني، وقدَّمتِ العديد من الرموز الَّتي قادتْ وشاركتْ بفعالية في هذه الثورة، أبرزهم الشَّيخ شعلان أبو الجون، والشَّيخ ضاري المحمود وغيرهم ممَّن كان له الدَّوْر الوطني في تسعير الثورة وديمومتها.
أحمد صبري
كاتب عراقي