الثلاثاء 15 يوليو 2025 م - 19 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : حماية البيئة مسؤولية وطنية

الاثنين - 14 يوليو 2025 06:35 م

رأي الوطن

10

لا يُمكِن فصلُ البيئة في سلطنة عُمان عن النَّسيج العامِّ للحياة في هذا الوطن، حيثُ تمتدُّ السَّواحل بعُمقها البيئي والثَّقافي من مسندم إلى ظفار، وتشكِّل خطَّ التماس الأوَّل بَيْنَ الإنسان والطَّبيعة، البحر هنا جزء من الذَّاكرة الجماعيَّة، ومصدر للرِّزق، ونقطة التقاء بَيْنَ تاريخ بحري طويل وحاضر يبحث عن التَّوازن بَيْنَ التَّنمية والحفاظ على الموارد.. من هذا المنطلق لم يكُنْ غريبًا أن تحظى البيئة خصوصًا البحريَّة بأولويَّة واضحة في خطط الدَّولة، حيثُ وضعتْ هيئة البيئة استراتيجيَّات مُتعدِّدة الطَّبقات لحماية هذا الامتداد الطَّبيعي، وتمَّ تطوير برامج بحث علمي لِفَهْم التغيُّرات، ومعالجة التَّهديدات مثل التَّلوُّث، واختلال التَّوازن الأحيائي، والصَّيد الجائر، وتلك الجهود نابعة من وعي استراتيجي يرى أنَّ الأمن البيئي جزء من الاستقرار العامِّ، وأنَّ الاستدامة ضرورة وجوديَّة.

إنَّ ما قامتْ به سلطنة عُمان في ملف المحميَّات البحريَّة، يعكس إدراكًا متقدِّمًا لأهميَّة إدارة الموارد الطَّبيعيَّة بشكلٍ منهجي، فإنشاء محميَّات مثل (جزر الديمانيَّات) و(السَّلاحف) و(الأخوار) في محافظة ظفار، هو تعبير واضح عن توجُّه عملي، يربط الحفاظ على الأنظمة البيئيَّة بالمسؤوليَّة القانونيَّة والمُجتمعيَّة، هذه المحميَّات خضعتْ لخطط حماية ورقابة، وتمَّ تدعيمها بمشروعات تأهيل مثل (الشّعاب المرجانيَّة الاصطناعيَّة) الَّتي أسْهَمتْ في ترميم الأجزاء المتضرِّرة، وتحفيز التَّنوُّع الأحيائي، وتوفير بيئة مواتية للكائنات البحريَّة، في موازاة ذلك تمَّ استخدام تقنيَّات تتبُّع متقدِّمة لدراسة سُلوك الحيتان والسَّلاحف، ضِمن مشروع متكامل لرصدِ الثَّديّيات البحريَّة، ما يُشير إلى أنَّ الدَّولة لم تكتفِ بتوثيق الظَّواهر، وإنَّما دخلت في عُمق التَّحليل والتَّفسير، ومع هذا التحرُّك أصبح البحر في السَّلطنة تحت عَيْنِ المراقبة العلميَّة، في محاولة لتقليص الخسائر وتوقُّع المتغيرات، بما يَضْمن بقاء البيئة البحريَّة في حالة توازن صحِّي.

في هذا المشهد المتكامل، تؤدِّي جمعيَّة البيئة العُمانيَّة دَوْرًا فاعلًا، لا يقتصر على الجانب التَّوعوي، وإنَّما يمتدُّ إلى البحث والمشاركة في صياغة السِّياسات، فالجمعيَّة لم تكتفِ بإطلاق حملات عامَّة، بل نفَّذتْ مشروعات نَوْعيَّة تعلَّقتْ بالحيتان والسَّلاحف والشّعاب المرجانيَّة، وقدَّمتْ بياناتها لهيئة البيئة لِتكُونَ جزءًا من التَّشريعات، والتَّفاعل هنا لا يتمُّ من فوق، بل ينشأ من الميدان، من العمل الميداني في المدارس والقُرى والموانئ، حيثُ تمَّ استهداف كُلِّ فئة قادرة على إحداث أثَر، الصيَّادين، الطَّلبة، النِّساء، والأطفال، كُلّهم جزء من الخطَّة، الأمْر تحوَّل إلى منظومة متكاملة تهدف إلى خلق مُجتمع واعٍ، يتعامل مع البحر باعتباره موروثًا لا يجوز التَّفريط فيه. لقَدْ نجحتِ الجهات المسؤولة في دمج البيئة في التَّعليم، في الحياة اليوميَّة، وفي النِّقاشات المُجتمعيَّة، وجعلتِ الحديث عن المحميَّات والسَّلاحف والشّعاب جزءًا من اللُّغة العامَّة، لا حكرًا على المختصِّين.

تبقَى التَّهديدات حاضرةً، وأحيانًا تتزايد بشراسة، من أعاصير وتغيُّرات مناخيَّة، إلى ممارسات بَشَريَّة غير مسؤولة، مثل التلوُّث الصِّناعي والبلاستيكي والصَّيد العشوائي. لكنَّ عُمان لا تقف عِندَ حدود التَّشخيص، بل شرعتْ في تنفيذ حلول ميدانيَّة جريئة، مثل إنزال معدَّات متهالكة في البحر لإعادة تكوين موائل مرجانيَّة جديدة، ومتابعة دقيقة لمحطَّات رصد ملوِّثات البحر، من مسندم حتَّى ظفار، هذه الجهود تُشير إلى أنَّ الإدارة البيئيَّة في السَّلطنة أصبحتْ تعتمد على أدوات تحليل مستمرَّة، لا تنتظر الكوارث لتتحرَّكَ، وإنَّما تبني قدرتها على التنبُّؤ والاستجابة.

ختامًا، البيئة البحريَّة في عُمان قضيَّة وجود تتطلب وعيًا جمعيًّا، واستثمارًا طويل الأمد، وشراكة حقيقيَّة بَيْنَ الدَّولة والمُجتمع، حتَّى يظلَّ هذا البحر مصدرًا للحياة، لا ساحة مفتوحة للهدر والفقد.