الخميس 17 يوليو 2025 م - 21 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

المحافظة على المال العام وأثر الرقابة والمتابعة على الرأي العام الوطنيف

المحافظة على المال العام وأثر الرقابة والمتابعة على الرأي العام الوطنيف
الأحد - 13 يوليو 2025 01:16 م

محمد بن سعيد الفطيسي

30

لا شك أنَّ المحافظة على الأموال العامة وقَبل أن يتمَّ ذلك وفْقَ القوانين والأنظمة فإنَّه واجب وطني. وعِندَما نقول واجب وطني فهو مسؤوليَّة جميع من على هذه الأرض الطيبة بِدُونِ استثناء، ولكن هناك نسبيَّة في المسؤوليَّة بَيْنَ مَن يملك السُّلطة والقرار ومَن لا يملكه.

لذا من البديهي أن تقع المسؤوليَّة الأكبر على مَن يملك السُّلطة للمحافظة على المال العام، مَن يملك الرقابة والمتابعة والقدرة للتصدي للفساد المالي والإداري، وعِندَما نقول فساد إداري فإنَّ هذا المصطلح يشمل الفساد الفكري القائم على تضييع المال العام حتَّى من خلال استغلال القوانين والثغرات في الأنظمة الإداريَّة والماليَّة.

من المنطلق السابق يحز في النَّفْس أن نشاهد العديد من المشاريع الَّتي هي جزء من الأموال العامَّة للدولة وقد أنفقت عَلَيْها الآلاف ورُبَّما الملايين من الريالات قد تركت وأهملت لأسباب عديدة ومختلفة فعزف عَنْها المُجتمع، وتُركت بِدُونِ تحقيق الهدف العام مِنْها مثل (سوق الخضار والفواكه في ولاية شناص والَّذي سيدخل مستقبلًا من ضمن واجهة شناص البحريَّة) و(حضائر المواشي في ميناء شناص)، وهي أمثلة حيَّة على ذلك وقائمة حتَّى ساعة كتابة هذا المقال، فما هو مصيرها ومصير الآلاف من الريالات الَّتي أنفقت عَلَيْها!؟

أين الرقابة اللاحقة على هذه المشاريع؟ أين دَوْر المجالس البلديَّة ومجلس الشورى في كُلِّ محافظة من محافظات سلطنة عُمان من تسليط الضوء على هذه المشاريع الَّتي لم يستفد مِنْها المواطن بعد كُلِّ هذه السنوات، وكبَّدت ميزانيَّة الدوليَّة الآلاف من الريالات؟ أين دَوْر الأجهزة الرقابيَّة عن متابعة مثل هذه المشاريع الَّتي لم تحقق أهدافها العامة لسبب أو لآخر؟ هل تابعت تلك المؤسَّسات هذه المشاريع وطرحت الأسئلة الَّتي يفترض طرحها!؟

وننتقل إلى مشاريع خدميَّة أخرى للأسف الشديد في ذات الولاية مثل الطُّرق الخدميَّة الَّتي أنفقت على شقها الحكومة ولم يستفد مِنْها المواطن لفترات طويلة وما زالت حتَّى ساعة كتابة هذا المقال مثل (الشارع المحاذي للشارع البحري بولاية شناص) من جهة الشرق وقد غمرته مياه البحر قَبل سنوات وتُرك بِدُونِ معالجة حتَّى وقت قريب، وما زالت آثار تلك المياه قائمة عَلَيْه، وما زالت المياه تقطع الطريق ولم يستفد مِنْه المواطنون، وتُشكِّل تلك المياه خطرًا على مرتادي الطريق، والسؤال هنا: مَن المسؤول عن ضياع تلك الأموال العامَّة وعدم استفادة المواطنين مِنْها؟! أين الرقابة والمتابعة والمحاسبة؟!

قضايا أخرى كتبنا عَنْها سابقًا ولم نسمع تاليًا أين وصلت نتائج متابعتها، طبعًا وللأمانة كان هناك نَوع من السؤال والوقوف عَلَيْها من قِبل محافظ شمال الباطنة مثل الشارع الخدمي الَّذي يقطع سوق ولاية شناص من جهة الغرب إلى الشرق والَّذي تمَّ إزالته بالكامل وإعادة رصفه من جديد، وقد كتبت عَنْه مقالًا بعنوان: مياه الأمطار تكشف الخلل والعيوب وهدر المال العام بتاريخ 18/ فبراير/ 2024م، وموضوع: الأودية أحضرت مادَّة صفراء امتلأت بها شوارع وأحياء بعض قرى ولاية شناص المنشور بتاريخ 14/ يوليو/ 2024م.

ممَّا لا شك فيه أنَّ مثل هذا المشاريع العامَّة والخدميَّة في مختلف محافظات السَّلطنة ترسم ملامح الصورة الذهنيَّة للحكومة أمام الرأي العام، وتُمثِّل قوَّة وقدرة الحكومة على مواجهة الفساد قَبل أن يبدأ وبعد وقوعه (الرقابة السابقة واللاحقة)، ممَّا يرسخ مفهوم الأمن والأمان والاستقرار الوطني، ويعمل على ترسيخ مفاهيم قانونيَّة عديدة، مِنْها عدم إفلات الفساد والتلاعب بالمال العام واستغلال النفوذ والفساد الفكري، واستغلال ثغرات القانون للتربح وغيرها. فكُلَّما تصدَّت المؤسَّسات الرقابيَّة والبرلمانيَّة المعنيَّة في مواجهة تلك النماذج الَّتي أضاعت الأموال العامَّة بطُرق قانونيَّة وغير قانونيَّة حتَّى بعد سنوات، ارتفع منسوب الردع وقلَّ إفلات اللصوص من العدالة الجنائيَّة، وتحسنت الصورة الذهنيَّة للحكومة أمام الرأي العام الوطني.

وقد أكدنا على هذه الأدوار والمسؤوليَّات في مقالات عديدة مثل مقال: الرقابة على المشاريع الوطنيَّة وشفافيَّة كشف معلوماتها للمواطنين والمنشور بتاريخ 15 يونيو 2025م، ومقال: الرقابة على المال العام في المحافظات يحتاج إلى مزيدٍ من الجهود الميدانيَّة والمنشور بتاريخ 30 يونيو 2024م.

وفي هذا الإطار يَجِبُ الأخذ بالحسبان أنَّ الرقابة على المال العام يَجِبُ أن يتحقق ولو بعد سنوات، وأنَّ الفساد ليس شخصًا أو مؤسَّسة، بل هو فكر وفساد ضمير، وأنَّ الرقابة يَجِبُ أن تشمل جميع المشاريع الحكوميَّة الَّتي لم يستفدْ مِنْها المواطن لسببٍ أو لآخر، حيثُ يَجِبُ أن يطرح السؤال الأهم: لماذا هذا المشروع لم يستفدْ مِنْه المواطن وتُرك هكذا؟ هل حقق هذا المشروع أهدافه المرسومة له؟ ومَن المسؤول عن هذا الهدر؟

أخيرًا: وبعد الشُّكر والتَّقدير لجميع الجهات والمؤسَّسات العاملة على أرضنا الغالية والقائمة بأدوارها حيال حماية المال العامِّ والثروات الوطنيَّة، وهي جهود مقدرة ومشكورة بلا شك، ما أرجوه هو أن نجد مزيدًا من الجهود خلال الفترة الزمنيَّة القادمة حيال التصدِّي لتلك المخالفات الَّتي تمَّ التطرق إِلَيْها سلفًا في هذا المقال، وغيرها من التجاوزات حَوْلَ المال العامِّ في مختلف أنحاء وطننا العزيز، كما أرجو التَّمكين لوسائل الإعلام الوطنيَّة حيال الجهود الصحفيَّة والإعلاميَّة الَّتي يفترض أن تسلط الضوء على مثل هذه الانتهاكات والمخالفات في حقِّ المال العامِّ، فهو دَوْر من أدوارها الوطنيَّة ومسؤوليَّة من مسؤوليَّاتها المهنيَّة، متمنين للجهات الحكوميَّة المختلفة والقائمين عَلَيْها التَّوفيق والسَّداد في مسؤوليَّتهم الوطنيَّة الكبيرة حيال خدمة هذا الوطن العزيز.

حفظ الله وطننا الغالي من شر الكائد الحاقد الفاسد الحاسد، وقيَّض لعاهل وطننا ومُجدِّد نهضته حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق (أعزَّه الله) البطانة الصالحة الَّتي تُعِينه على دِينه ودنياه وخدمة وطنه.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @