الخميس 17 يوليو 2025 م - 21 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

أصداف : فيلم «دروس من الحياة»

أصداف : فيلم «دروس من الحياة»
الأحد - 13 يوليو 2025 01:11 م

وليد الزبيدي

10


التقاطة فريدة تلك الَّتي تمَّ بناء فكرة فيلم (central station ) الفيلم برازيلي لمخرجه والتر ساليس وتمَّ إنتاجه في العام 1998، عِندَما تفكّر معلِّمة متقاعدة تعيش وحيدة بمهنة غريبة، لكنَّها تدلل على ذكاء هذه المرأة عِندَما أجرت دراسة لسوق المدينة الَّتي تعيش فيها، حيثُ وجدت حاجة ماسَّة للنَّاس وغالبيَّتهم من البسطاء الَّذين لم يحصلوا على التعليم، وتوصلت في دراستها «للسوق» أنَّ غالبيَّة هؤلاء لدَيْهم مشاكل اجتماعيَّة ورُبَّما اقتصاديَّة وعاطفيَّة ويرغبون بالتواصل مع شخص أو أشخاص من خلال الرسائل، لكن المعضلة الَّتي تواجه هؤلاء أنَّهم (لا يقرأون ولا يكتبون)، هذه الحاجة الواسعة الَّتي اكتشفتها المرأة المتقاعدة، لا تختلف عن الأفكار الَّتي يتوصل إِلَيْها أصحاب المشاريع الكبيرة عِندَما يكتشفون حاجة المُجتمع لسلعة ما، فتكُونُ الفئة المُجتمعيَّة المستهدفة هم جميع الَّذين لا يقرؤون ولا يكتبون) وبضاعتها أن تكتب لهم الرسائل الَّتي يرغبون بإرسالها لآخرين، وأفضل مكان لتسويق بضاعتها محطَّة سكك القطار الَّتي تتوسط المدينة، حيثُ يستخدم الفقراء والبسطاء في المدينة وسيلة النقل الرخيصة.

تضع منضدة خشبيَّة بسيط وصغيرة وتجلس خلفها وكُلّ ما تحتاجه الأوراق والقلم، يقصدها يوميًّا عدد كبير من الزبائن، فلا وسيلة أخرى متوافرة ولا قدرة لهؤلاء على الكتابة، تكتب المرأة الرسائل وتتقاضى مبالغ مقابل الكتابة وتتعهد بإرسالها من خلال البريد، لكنَّها في الواقع تذهب بالرسائل إلى بيتها وتحتفظ بها هناك.

تبدأ قصَّة الفيلم المشوقة عِندَما تحضر زبونة برفقة ولدها الَّذي لم يقابل والده رغم بلوغه التاسعة من العمر، بعد هجر الوالد لهم، على بُعد أمتار تصدم حافلة الأُم ويتوفاها الله ليبقى الطفل وحيدًا مشردًا ينام في المحطَّة الموحشة.

تتعاطف المرأة مع الصبي وتأخذه إلى بيتها، رغم أنَّها تمارس الاحتيال على البسطاء، مرَّة أخرى تبيع الصبي لمجموعة فتؤنبها صديقتها وتحذرها من مافيات الاتجار بالبشر، فتسترجعه بمغارة ليست سهلة، ثم تستجيب لرغبته وتسافر معه في رحلة تزخر بالكوميديا السوداء والدروس الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، وفي جميع أوقات المشاهدة للفيلم يبهر الصبي والمرأة المتقاعدة المشاهدين بأداء مذهل، ليعيش الجميع تفاصيل وأحزان هذه الملحمة الإنسانيَّة.

بعد أن يتعرضوا لمصاعب وتنفق المرأة ما عِندَها من مال، يبتكر الصبي فكرة عمل مستوحى من عمل المرأة في المحطَّة، ويبدأ يسوّق للفكرة بطريقة احترافيَّة وسط سوق المدينة، يدعو النَّاس للحصول على رسائل لتصل إلى احبتهم، ويحتشد أناس من مختلف الشرائح البسيطة وفي أول يوم يحصلون على مبلغ جيد، لتبدأ معاناة جديدة في رحلتهم، وبعد أن يصلوا إلى العنوان الموجود لديهم يكتشفون أنَّ والد الصبي قد باع البيت وانتقل إلى مكان يجهل عنوانه الرجل الَّذي يسكن ذلك البيت. أخيرًا يتوصلوا إلى العنوان ويكُونُ هناك أخوان بعد أن اختفى الوالد مرَّة أخرى وهو الرجل المدمن على الكحول، لكن الأخوين يكشفان عن رسالة وصلتهما من والدهما قبل سنتين يشرح لهما اشتياقه لولده الَّذي لم يقابله ووالدة الولد. فجرًا تتسلل المرأة قاصدة المحطَّة لتستقلَّ إحدى الحافلات، ويكتشف الصبي ذلك فيركض صوب المحطَّة لكن الحافلة تتحرك مبتعدة.

وليد الزبيدي

كاتب عراقي

[email protected]