الأحد 13 يوليو 2025 م - 17 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

«الانتقال إلى الديموقراطية.. ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟»

«الانتقال إلى الديموقراطية.. ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟»
السبت - 12 يوليو 2025 01:55 م

سعود بن علي الحارثي

20


تأخذ إصدارات (عالَم المعرفة) قارئها العربي إلى عوالم حلَّقت ْبعيدًا في هذا الكون الفسيح، وبلغتْ شأنًا عظيمًا في طريق التَّقدُّم والعِلم والمعرفة، ونقلتِ البَشَريَّة بفضل تكريس علمائها وتضحياتهم الكبيرة وهِممهم العالية إلى عصر التقنيَّات والفضاء وتطبيقات الهندسة الوراثيَّة وغيرها من العلوم الَّتي غيَّرتْ المفاهيم والقناعات والأنماط وعالجتْ مشاكل الإنسان، عصر الابتكار والاختراع والاكتشاف والإبداع، عصر البحث والتَّجارب والانفجار المعلوماتي والتَّجديد والعصرنة والازدهار والرُّقي... في سلسلة عالَم المعرفة، تتكشف للقارئ العربي حقائق مُذهلة عمَّا بلَغَتْه الأُمم المتقدِّمة والقوى الاقتصاديَّة العظمى من شأو في التَّطوُّر والعِلم، كيف تحتشد المعلومات والبيانات والمفاهيم الجديدة وتتراكم؟ كيف يجد العلماء حلولًا لمشاكل قائمة بسرعة وجيزة؟ كيف تتلاحق التطوُّرات العلميَّة؟ كيف يروي علمًا وبحثًا ودراسة، سواقي تخصُّصات وعلوم أخرى؟ كيف تنفتح الآفاق الجديدة للعلماء، وتَقُود إلى تأسيس علوم وفروع تضيف وتُعزِّز وترفد وتخدم بعضها بعضًا، تقهر المنغلق وتنتصر على التَّحدِّيات والمعيقات؟ كيف تُسهم حُريَّة التَّعبير وقِيَم الديمقراطيَّة والشفافيَّة في كشف الفساد والتَّحقيق في انتهاكات الحقوق والتَّطاول على القوانين، وتصحيح الأوضاع ومحاسبة المفسِدِين؟ وكيف تصبح الصورة مقلوبة في مواقف ومع أحداث أخرى في بعض الأحيان...؟ سلسلة (عالَم المعرفة) مشروع تنويري يُسهم بحقٍّ في تعزيز الوعي وتوفير المعلومة. العدد «٤٧٩»، «الانتقال إلى الديموقراطيَّة.. ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟»، للأستاذ علي الدِّين هلال، يتناول «أربع قضايا رئيسة: أولاها ديناميَّات أزمة النُّظم السُّلطويَّة وأنماط التَّفاعلات الَّتي تؤدِّي إلى سقوطها. وثانيتها تحدِّيات تأسيس النِّظام الديموقراطي، والقضايا الَّتي تُثيرها هذه المرحلة كوضع دستور جديد، وإصدار القوانين الَّتي تنظِّم الحياة السِّياسيَّة. وأمَّا الثَّالثة فهي عمليَّة تعزيز النِّظام الديموقراطي وتوطيد أركانه. وتتمحور الرَّابعة حَوْلَ حدود الانتقال إلى النُّظم الديموقراطيَّة، فتدرس الانتقادات الموجَّهة إلى الديموقراطيَّة التمثيليَّة أو النيابيَّة، وتناقش الاجتهادات الأخرى كالديموقراطيَّة التوافقيَّة والاجتماعيَّة والتشاوريَّة والرَّقميَّة، والانتقادات الموجَّهة إلى كُلٍّ مِنْها». يبدأ الكاتب مشروعه البحثي بسؤال تمهيدي، تشرح الإجابة عَلَيْه المقصد من إصدار «الانتقال إلى الديموقراطيَّة...»، «ما الَّذي يُمكِن أن يضيفَه إلى عشرات الكتب الَّتي صدرتْ في هذا الموضوع؟». فالغاية مِنْه تتضح في الإجابة، وهي «فهم العوامل الَّتي أدَّت إلى تعثُّر الانتقال إلى الديموقراطيَّة في العالَم العربي. ولا يُمكِن إدراك ذلك إلَّا بالمقارنة وتحليل تجارب التطوُّر الديمقراطي في دوَل ومُجتمعات مختلفة..». ينطلق الكاتب من قناعة احتضنها فكره تذهب بعيدًا عن الرُّؤية السَّائدة، الَّتي تصوِّر أنَّ العقل العربي وثقافته لا تتوافق مع القِيَم والنُّظم الديموقراطيَّة، «ما أشدَّ احتياجنا إلى النَّظرة المقارنة»، الَّتي يعوّل عَلَيْها؛ لِتَصحيحِ هذا التَّصوُّر الخاطئ، «بدلًا من الاستمرار في إنهاك عقولنا وتفكيرنا في البحث عن «خصوصيَّات عربيَّة»، لا سندَ لها في الحقيقة إذا ما عرفنا ما حدَث في الدوَل الأخرى»، في تحوُّل سياسي لم يحدُثْ له مثيل من قَبل، بعد أن «أصبحتْ أغلبيَّة دوَل العالَم تأخذ بالنِّظام الديموقراطي ـ لأوَّل مرَّة في التَّاريخ الحديث ـ إذ بلغ عددها (١١٩) من أصلِ (١٩٣) دَولة في العام ٢٠١٣م». فهل يُمكِن أن نطلقَ عَلَيْها، أو نصنفَها كأنظمة ديموقراطيَّة حقيقيَّة تتبنَّى قِيَمها ومُثلها في جوهرها مصالح الإنسان ومنافع المواطن، في حُريَّة التَّعبير والمشاركة الفاعلة والمواساة وتحقيق تطلُّعات المُجتمعات في الازدهار والحياة الكريمة؟ الواقع يتحدث بوضوح على أنَّ الديموقراطيَّة ـ في صيغتها الحاليَّة ـ لم تَعُدْ نظامًا صالحًا تطمح إِلَيْه الشُّعوب، في عالَم مُتخم بالصِّراعات محتشد بالظُّلم يتجرع فيه مئات الملايين مرارة الفقر والجهل والتخلُّف وانعدام الأمن والاستقرار، تعمُّه الفوضى والفواجع والآلام والأحزان بسبب الحروب المدمِّرة ومؤامرات ودسائس الحكومات والأنظمة الَّتي تدَّعي وتتبنى الديموقراطيَّة نظامًا لها... تناول كِتاب «الانتقال إلى الديموقراطيَّة» تعريفًا بالمصطلح، الَّذي يَعُود إلى أصل إغريقي، وعرضًا لأشكال النُّظم الديموقراطيَّة، ونماذج للدوَل الَّتي تطبِّقها، وأوْجُه الخلل والنَّقد والاعتراضات الَّتي صحبتْ تطبيق كُلٍّ مِنْها، وعرج إلى الآليَّات والوسائل أو الدّعامات والهياكل الَّتي تعمل بها وتشتغل عَلَيْها ويدير من خلالها الحكم، ومن أهمِّها، أوَّلًا: «حكم القانون، وهو المرجعيَّة العُليا للعلاقات في المُجتمع»، حيثُ تخضع الدَّولة ومؤسَّساتها ومظاهر نشاطها لنصوصه، «لضمان تحقيق الحُريَّة والمساواة والعدل». ثانيًا: «الفصل بَيْنَ السُّلطات، بمعنى عدم تركيز السُّلطة في يد فرد واحد، أو هيئة واحدة...». ثالثًا: «تعدُّد الأحزاب». رابعًا: «وجود مجال عام مفتوح وحُر، لضمان قيام مُجتمع مَدَني يتمتع بالحُريَّة والقدرة على المبادرة والحيويَّة والتنوُّع..». خامسًا: «انتخابات عامَّة دَوْريَّة ونزيهة، تُمثِّل الآليَّة الديموقراطيَّة لتداول السُّلطة». وفي محور آخر من محاور الكِتاب، عدَّد الدكتور علي الدِّين هلال، الأنماط أو الدَّوافع الخاصَّة بتبنِّي وتطبيق الدوَل والشُّعوب للديموقراطيَّة، من أبرزها: «دَوْر النُّخبة الحاكمة، الَّتي تدرك أنَّ النِّظام القائم لا يُمكِن أن يستمرَّ من دُونِ تغيير ـ نمط التفاوض بَيْنَ نُخب الحكم والمعارضة، نتيجة مبادرات مشتركة بَيْنَ عناصر من النُّخبة الحاكمة والنُّخب المعارضة ـ دَوْر التَّعبئة الجماعيَّة والفعل المباشر، أداتها الضُّغوط الشَّعبيَّة والتَّحرُّكات الجماهيريَّة ـ نمط الانتقال من خلال الاحتجاجات الشَّعبيَّة والثَّورات الانتخابيَّة ـ نمط الفرض بالقوَّة من الخارج»، مطعِّمًا كُلَّ نمط من تلكم الأنماط بنماذج وتحدِّيات، أسباب الفشل والنَّجاح، والكثير من الحيثيَّات والنقاشات الَّتي صحبتِ الانتقال إلى الحكم الديموقراطي. وعرض كذلك، للتحدِّيات الَّتي تواجِه المرحلة الانتقاليَّة، الَّتي تتصدرها «تحدِّي الأزمة الاقتصاديَّة ـ الرِّيبة وعدم الثِّقة ـ الوعود المبالغ فيها ـ أخطار التَّفكُّك الاجتماعي ـ أمراض نُخب الإثارة والفوضى...». أمَّا أهمُّ الأُسس الَّتي تُسهم في إنجاح عمليَّة الانتقال إلى الديموقراطيَّة، فيشير لها الكاتب في الآتي: «استقرار مفهوم الدَّولة ـ القَبول بشرعيَّة الحكومة الانتقاليَّة ـ استمرار مناخ الجبهة الوطنيَّة أو الكتلة التاريخيَّة ـ إدماج الفاعلين الرَّئيسين ـ قدرة القيادات السِّياسيَّة على التَّفاوض وبناء التَّحالفات ـ التَّوازن بَيْنَ الإصلاح السِّياسي والإصلاح الاقتصادي». ومثلما أسهم إعلام الفضاء الإلكتروني في تعزيز الديموقراطيَّة وأصبح المواطن العادي قادرًا على المشاركة والنَّقد في «عالَم من دُونِ قيود أو حدود أو ضوابط سياسيَّة أو اجتماعيَّة، ممَّا جعله قناة للتَّعبير الحُر»، فهو في تأثير معاكس، يُعزِّز «الآراء الفوضويَّة والعشوائيَّة». التَّحدِّيات الَّتي تواجه ممارسات الديموقراطيَّة الَّتي يختم بها علي الدِّين هلال كِتابه فيسردها على النَّحْوِ الآتي: «تحدِّي الحفاظ على الإجماع العامِّ بَيْنَ الفاعلين السِّياسيِّين على قواعد العمليَّة الديموقراطيَّة في مواجهة النِّزاعات العِرقيَّة والسلاليَّة، والأُصوليَّات الدِّينيَّة ـ غياب العدالة وتكافؤ الفرص واستمرار تزايد الفجوة بَيْنَ الأغنياء والفقراء في داخل كُلِّ دَولة ـ تحدِّي التكيُّف مع الصُّعود الاقتصادي الآسيوي بسبب اختلاف القِيَم الآسيويَّة عن بعض عناصر الثَّقافة الديموقراطيَّة في الدوَل الغربيَّة ـ ازدياد دَوْر القادة الأفراد وظهور نموذج الرَّجُل القوي صاحب الرُّؤية والإرادة القادر على كسب تأييد وأصوات النَّاخبِينَ»، وهي تُمثِّل معًا اليوم «أزمة الديموقراطيَّة».

سعود بن علي الحارثي

[email protected]