الخميس 17 يوليو 2025 م - 21 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

في الحدث : مؤشرات بقدرة الاقتصادات الخليجية على امتصاص صدمات الأزمات

في الحدث : مؤشرات بقدرة الاقتصادات الخليجية على امتصاص صدمات الأزمات
السبت - 12 يوليو 2025 01:34 م

طارق أشقر

30


في ظلِّ عدم وصول التوتُّر بَيْنَ إيران و»إسرائيل» إلى حسم نهائي وبضمانات دوليَّة، ومع تزايد المخاوف من التَّداعيات الاقتصاديَّة غير المحسوبة حتَّى الآن لذلك الصِّراع، فقد أظهرت اقتصادات دوَل مجلس التَّعاون الخليجي حتَّى اليوم قدرة لافتة على امتصاص الصَّدمات النَّاتجة عن الأزمات العارضة. وفيما لا يزال خطر التَّصعيد «الإسرائيلي» الإيراني قائمًا، فإنَّ المؤشِّرات الاقتصاديَّة والبيانات الماليَّة تشير إلى أنَّ اقتصادات دوَل الخليج قادرة على الصُّمود والتَّعامل مع تداعيات الأزمة وإن كان ذلك ليس بلا حدود. ووفْقًا لرويترز بأنَّه مع إعلان وقف إطلاق النَّار الهش بَيْنَ إيران و»إسرائيل» بمنتصف يونيو 2025، تفاعلتْ أسواق الخليج بإيجابيَّة محسوبة. فقد سجَّلتْ مؤشِّرات عديد الأسواق الخليجيَّة ارتفاعات ملحوظة، فقادَ بعضها المكاسب الإقليميَّة بنِسَب متفاوتة، ممَّا يُعَدُّ إشارة واضحة إلى ثقة المستثمرين في قدرة المنطقة على امتصاص الصَّدمات الخارجيَّة. ورغم حالة الترقب بشأن تطوُّرات الرُّسوم الجمركيَّة الأميركيَّة والمخاوف من إغلاق مضيق هرمز، بقيَتْ أسعار النِّفط دُونَ عتبة الخطر، عِندَ أكثر من سبعين دولارًا للبرميل، رغم أنَّ ارتفاعها كان سيكُونُ له الأثر الإيجابي على الإيرادات النِّفطيَّة الخليجيَّة. وبَيْنَما حذَّر محلِّلون من احتمال تجاوز أسعار السِّلع عالَميًّا لمستوياتها العاديَّة في حال التَّصعيد، فإنَّ اقتصادات الخليج تمتلك قدرات فائضة وخطط طوارئ تقلِّل من التقلُّبات، وقدرة على التَّحكُّم في تقلُّبات الأسواق، ومواصلة في ان تظل جاذبة للاستثمار الأجنبي، في حين تدير صناديق الثَّروة السِّياديَّة الخليجيَّة ما يزيد عن (4) تريليونات بحسب بيانات متتبع صناديق الثَّروة السِّياديَّة «جلوبال اس دبليو اف» الأمْر الَّذي يوفِّر هامشًا ماليًّا كبيرًا بالمنطقة الخليجيَّة لمواجهة أيِّ طارئ. ورغم توقُّع صندوق النَّقد الدّولي بأن تشهدَ اقتصادات الشَّرق الأوسط وشمال إفريقيا الَّتي تتضمن الدول الخليجيَّة انخفاضًا بنسبة (2.7%) في عام 2025 تراجعًا من (3.6%) كانتْ متوقعة في يناير الماضي، إلَّا أنَّ قوَّة اقتصادات الخليج الحقيقيَّة تكمن في نُمو القِطاعات غير النِّفطيَّة بها.

والمتابع للسِّياسات الاقتصاديَّة بالمنطقة يلحظ مواصلة الدول الخليجيَّة الاستثمار بعددٍ من المشاريع الاستثماريَّة المبتكرة والمتكاملة كمسعى للخروج من عباءة النِّفط عَبْرَ التَّنويع الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار في قِطاعات متنوعة كالسِّياحة، والصِّناعات التحويليَّة عالية الإنتاجيَّة، خصوصًا الغذائيَّة مِنْها الَّتي تُعزِّز التَّوَجُّه نَحْوَ الاكتفاء الذَّاتي، وقِطاعات الخدمات اللوجستيَّة والطَّاقة المُتجدِّدة، ومشاريع الاقتصاد الأخضر.

ولكن برغم الصَّلابة يبقى شبح التَّصعيد الإقليمي حاضرًا؛ لأنَّ عدم تحجيم التَّهور العسكري والسِّياسي بَيْنَ المتحاربِينَ يهدِّد لا محالة بتوسُّع تداعيات الحروب ممَّا يؤدي لإعاقة ممرَّات الشَّحن بالبحر الأحمر والخليج وعرقلة صادرات الطَّاقة والضَّغط على سلاسل التَّوريد.

ومع الأخذ في الاعتبار تحذير صندوق النَّقد من أنَّ استمرار الاضطرابات بالمنطقة قد يدفع بعض الاقتصادات الخليجيَّة إلى إعادة النَّظر بسياساتها الماليَّة وخفض الإنفاق في حال انخفاض أسعار النِّفط، إلَّا أنَّ ما يوسِّع دائرة الاطمئنان من قدرة الاقتصادات الخليجيَّة على امتصاص تداعيات الصِّراع العسكري بالمنطقة هو سرعة استجابتها الإيجابيَّة مع تداعيات الأزمات، خصوصًا الاقتصاديَّة مِنْها، حيثُ انتهجت استراتيجيَّة خاصَّة بها منذُ سنوات وذلك للاحتياط لأيِّ تراجعات لأسعار النِّفط السِّلعة الاستراتيجيَّة الأهمّ لها. فقد درجت ميزانيَّات الدوَل الخليجيَّة على احتساب متوسِّط سعر برميل النِّفط بأقلَّ من السِّعر العالَمي وذلك ضِمن حساب إيرادات ميزانيَّاتها السنويَّة تحسُّبًا لأيِّ تراجعات في الإيرادات الماليَّة النِّفطيَّة وتجنُّبًا لحدوث عجز مالي وحرصًا على ضمان تنفيذ الخطط الاقتصاديَّة الموضوعة أصلًا والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي. ويرى المراقبون الاقتصاديون أنَّ اتِّباع مثل هذا النَّوع من السِّياسات الاقتصاديَّة كحساب الإيرادات النِّفطيَّة بأرقام أقلَّ من الأسعار العالَميَّة، أسْهَم في جعل الاقتصادات الخليجيَّة أكثر مرونة وقابليَّة لتحقيق وفورات ماليَّة، يتمُّ توجيه بعضها إلى الصِّناديق السِّياديَّة وبعضها إلى تخفيض مديونيَّات الدَّولة وذلك حسب سياسات كُلِّ دَولة.

ووفْقَ أحدَث تقرير للمركز الإحصائي لدوَل مجلس التَّعاون لدوَل الخليج العربيَّة في الأسبوع الأخير من يونيو 2025، بلغ متوسِّط معدَّل التَّضخُّم بدوَل المجلس (7.1%) خلال عام 2024، ممثلًا انخفاضًا واضحًا مقارنةً بـ(2.2%) في عام 2023، ممَّا يُعَدُّ مؤشِّرًا إلى أنَّ الاقتصادات الخليجيَّة تعتمد سياسات ماليَّة متَّزنة تَقُود لمكافحة التَّضخُّم بَيْنَها سياسات نقديَّة تركِّز على تعديل أسعار الفائدة وعرض النَّقد وحُسن إدارة الإنفاق الحكومي والضَّرائب وتعزيز الرَّقابة الماليَّة، علاوةً على تحسين الإنتاجيَّة وإضفاء القدرات التنافسيَّة للمنتجات المحليَّة. كما أسْهَم اتِّباع السِّياسات الماليَّة المتَّزنة والتَّنويع الاقتصادي ومحاولات عدم الاعتماد على سلعة نقديَّة واحدة، أسْهَم بزيادة الخبرة التراكميَّة للاقتصادات الخليجيَّة في مواجهة التَّحدِّيات الاقتصاديَّة المستقبليَّة والَّتي بَيْنَها ـ على سبيل المثال ـ التَّداعيات الاقتصاديَّة للصِّراع «الإسرائيلي» الإيراني، وهي تداعيات لم يتمَّ حساب أرقامها بشكلٍ دقيق حتَّى الآن كونها لم تنتهِ. وعَلَيْه، ووفْقَ المؤشِّرات يُمكِن القول بأنَّ الاقتصادات الخليجيَّة اليوم تتمتع بالقدرة على الصُّمود في وجْهِ أحَد أخطر الملفات الجيوسياسيَّة في المنطقة، إذ إنَّ أسواق المال ما زالتْ مستقرَّة والاحتياطيَّات قويَّة، فضلًا عن أنَّها اقتصادات لها رؤى طويلة الأمد وذات دعم مالي قوي والتَّنويع الاقتصادي بها يؤتي ثماره، إلَّا أنَّ هذا الصُّمود ليس مفتوح الأجل، في حين أنَّ اندلاع صراع طويل بالمنطقة قد يضع حتَّى أقوى الاقتصادات تحت الاختبار. فنسأل الله المزيد من استقرار الأوضاع بالشَّرق الأوسط وأن تجدَ الصِّراعات العسكريَّة بها وبمختلف أنحاء العالَم طريقها نَحْوَ التَّسوية.

طارق أشقر

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن »