الأحد 13 يوليو 2025 م - 17 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : تصنيف «موديز» يعكس جهود الإصلاح

السبت - 12 يوليو 2025 06:30 م

رأي الوطن

30


جاء تقرير وكالة التَّصنيف الائتماني العالَميَّة (موديز)، الَّذي رفع التَّصنيف الائتماني لسلطنة عُمان من (Ba1) إلى (Baa3)، تأكيدًا على أنَّ الخطوات الَّتي اتَّخذتها الحكومة تمضي في طريقها الصَّحيح، وقد عكس هذا التَّقييم مسارًا إصلاحيًّا مستمرًّا في الإدارة الماليَّة والاقتصاديَّة. ولعلَّ التَّطوُّر المُطَّرد يوضح أنَّ هذا التَّقدُّم يُعَدُّ امتدادًا لسياسات منضبطة بدأت ملامحها تتضح منذُ أعوام، وارتكزتْ وفْقَ الرُّؤية السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذُ توَلِّيه مقاليد الحُكم، على تقوية المركز المالي للدَّولة، وخفض حجم الدَّيْن العامِّ، وتحقيق فائض في الموازنة، حتَّى في ظلِّ تراجع الإنتاج وأسعار الطَّاقة. ويحمل هذا التَّصنيف ـ في مضمونه ـ إشادة دوليَّة بقدرة السَّلطنة على التَّعامل مع التَّحدِّيات بمرونة، وباستخدام أدوات مدروسة تحافظ على الاستقرار دُونَ اللُّجوء إلى إجراءات مؤقَّتة، كما يعكس هذا التَّحوُّل نجاحًا مؤسَّسيًّا في إدارة الإنفاق، وتحسين الإيرادات، وتطوير بنية اتِّخاذ القرار المالي، بما يَضْمن استدامة النَّتائج دُونَ تحميل الاقتصاد أعباء إضافيَّة.

إنَّ الانخفاض الملموس في حجم الإنفاق الحكومي ـ كما ورد في التَّقرير ـ لم يأتِ عَبْرَ تقليص عشوائي، لكنَّه نتيجة توَجُّه استراتيجي بدأ مع خطَّة التَّوازن المالي 2020–2024، الَّتي أعادتْ ضبط الأولويَّات، وأعطتْ أفضليَّة للإنفاق الفعَّال والمشاريع المرتبطة بالنُّموِّ الحقيقي، وخلال تلك الفترة بدأتِ الدَّولة بإعادة ترتيب مُكوِّنات الموازنة العامَّة، مع تقليص الاعتماد على التَّمويل بالعجز، وتحسين كفاءة التَّحصيل والإيرادات.. ونتيجة لذلك تراجعتْ نسبة الدَّيْن العامِّ إلى النَّاتج المحلِّي، وانخفضتْ كلفة خدمته، ما خفَّف الضَّغط على الميزانيَّة، وفتحَ المجال أمام إنفاق أكثر توجيهًا نَحْوَ التَّنمية، هذه المؤشِّرات تؤكِّد أنَّ ما تحقَّق كان نتيجة مباشرة لتطوُّر ناتج عن خيارات واعية تراكمتْ مع الوقت، مدفوعة بإرادة سياسيَّة واقتصاديَّة واضحة لتغيير نمط الإدارة الماليَّة، والانطلاق نَحْوَ مستقبل واعد، يحافظ على مستوى الرَّفاهية للمواطن العُماني، ويُلبِّي طموحاته وتطلُّعاته اعتمادًا على قدرات الوطن. من الضَّروري أيضًا ربط هذه التَّطوُّرات الاقتصاديَّة برؤية «عُمان 2040» الَّتي وفَّرتِ الإطار الاستراتيجي الأوسع، وحدَّدتْ بوضوح مسارات التَّنويع الاقتصادي، ومجالات التَّحوُّل نَحْوَ اقتصاد إنتاجي متكامل، وتُعَدُّ هذه الرُّؤية أداةً تنفيذيَّة انعكستْ في دعم قِطاعات مُحدَّدة، مِثل اللوجستيَّات، والطَّاقة النَّظيفة، والصِّناعات التَّحويليَّة، بالإضافة إلى مشاريع الغاز الطَّبيعي والهيدروجين الأخضر، وقد أشار تقرير (موديز) إلى تحسُّن الأداء العامِّ للاقتصاد، وارتفاع الفوائض، وانخفاض التَّضخُّم، وهي نتائج ترتبط مباشرةً بجهود تنمية الإيرادات غير النِّفطيَّة، وتوسيع قاعدة الإنتاج. وهذا النَّهج المتكامل في التَّخطيط لم يقتصرْ على الجوانب الماليَّة، بل شمل البيئة التَّشريعيَّة والمؤسَّسيَّة، وفتَح المجال أمام الشَّراكة مع القِطاع الخاصِّ، وتطوير فرص استثماريَّة جديدة تؤسِّس لمستقبل اقتصادي أكثر توازنًا.

في المحصِّلة يعكس هذا التَّصنيف الجديد إشادة حقيقيَّة بقدرة السَّلطنة على التَّعامل مع التَّحدِّيات بتخطيط بعيد المدَى، ومع ذلك يبقَى الأهمُّ هو تحويل هذه النَّتائج إلى قاعدة دائمة للنُّموِّ عَبْرَ استمرار إصلاح بيئة الأعمال، ودعم الابتكار، وتوسيع دَوْر القِطاع الخاصِّ في قيادة المشاريع التَّنمويَّة، كما أنَّ تحقيق توازن فعلي بَيْنَ كفاءة الإنفاق وعدالة التَّوزيع سيظلُّ أحَد المُحدِّدات الرَّئيسة لنجاحِ المرحلة القادمة. فهذه المؤشِّرات الإيجابيَّة والتَّقديرات المُشجِّعة يَجِبُ أنْ تبقَى دافعًا للاستمرار دُونَ إغفال أنَّ الاستحقاقات لا تزال قائمة، وتتطلب تعزيز السِّياسات لا تجميدها، وإتاحة الفرص لا الاكتفاء بالأرقام. ومن هذا المنطلَق يُنتظر أنْ تتحولَ هذه الشَّهادة الدّوليَّة إلى مُحفِّز إضافي لمواصلة الإصلاح، بثباتٍ ودُونَ تردُّد، وفْقَ الرُّؤية الاستراتيجيَّة الَّتي رسَمَتْها القيادة الحكيمة لعاهل البلاد المُفدَّى ـ أعزَّه الله ـ للدَّولة بثقة ودقَّة.