أيها الأحباب.. توقف بنا الحديث حول المعجزات التي أيد الله بها رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) في أثناء رحلته المباركة إلى المدينة، وسبق ذكر بعضها، وتوقفنا عندما وصل الكفار إلى الغار فوجدوا تلك الخيوط، فأيقنوا أنه لا يمكن أن يدخل شخص إلى الغار دون أن تقطع تلك الخيوط، حتى قال قائلهم: إن هذه الخيوط موجودة قبل ميلاد محمد، فضلًا عن هناك بعض الروايات تقول: إن هناك حمامة أو حمامتان صنعتا عشًّا وباضتا أمام الغار، كذلك أيضًا ما حدث لسرقة بن مالك والذي وصل إلى رسول الله فعلًا، ولكن لولا عناية الله تعالى التي جعلت أقدام فرسه تغوص في الرمال فيسقط عنها كلما ركب لما نجيا منه، حتى أن الله حول قلبه عنهما، وقال:(والله لا يأتيكم مني شرًّا تكرهونه)، وقد بشره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسواري كسرى وهي معجزة في حد ذاتها، فقد لبسهما سراقة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أي: بعد الهجيرة بأكثر من عقدين من الزمان، كما أن هناك بعض الآراء التي تربط بين الهجرة ومعجزة انشقاق القمر.. إلى غير ذلك من المعجزات كشاة أم معبد التي حلب منها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم تكن ولدت بعد.
وأما عن الإنجاز: فقد حققت الهجرة في وقت قياسي ما لم يتحقق في زمن قبلها ولا بعدها حتى الآن، ولم يتحقق أيضًا لا على يد ملك من الملوك أو أقائد من القادة مهما عظم شأنه، لتظل هجرة رسول الله أنموذجًا فريدًا من نوعه لم تتحقق مع سواه، ومن ذلك:
أولاً ـ بناء الدولة الإسلامية:
نعلم جميعًا أن الهجرة قد شكلت نقطة تحول في التاريخ الإسلامي، حيث تأسست بعدها الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، فقد بنى رسول الله مسجده الشريف والذي أصبح تجمّعًا للمسلمين للصلاة والعبادة، وللجيش والقيادة، وبدأت بعد الهجرة أيضاً مرحلة جديدة من نشر الدعوة فقد جيش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الجيوش، وأرسل الرسل إلى ملوك العالم، ووحد بين الناس في جزيرة العرب، إلى غير ذلك.
ثانيًا ـ تحقيق الوحدة:
وقد نجحت الهجرة النبوية المباركة في توحيد المسلمين تحت لواء الإسلام وإمرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فذابت بينهم الأنانية أصبحوا تعملون بروج الجماعة لا فرق بينهم، فعلي قرشي وصهيب رومي وسلمان فارسي وبلال حبشي، والكل رجل واحد، والجدير بالذكر أنها كسرت بين العرب خاصة حواجز الخلافات القبلية التي كانوا يعيشون عليها قبل الإسلام، ونزع فتيل العصبية الجاهلية، ووئدت الفتنة بين العرب في مهدها، ولم تقم لها قائمة إلا من جهول ضعيف الإيمان.
ثالثًا ـ نشر الإسلام في ربوع العالم:
لقد أتاحت أيها الأحباب الهجرة النبوية الفرصة العظمى لنشر الإسلام ليس في أرجاء الجزيرة العربية فقط، بل فيما وراءها، وأكمل السلمون المسيرة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مما أدى إلى اتساع رقعة الدولة الإسلامية فري أرجاء المعمورة.
رابعًا ـ تغيير الواقع ووجه الأرض:
حقًّا لقد كانت الهجرة بداية قوية لتغيير حقيقي للواقع المرير الذي كان يعيشه المستضعفون من الناس وخاصة العبيد في جزيرة العرب، فضلًا عن الثأر الكراهية التقاتل بين قبائل العرب، وأيضاً تغيير الواقع السيء الذي كان يعيشه المسلمون في مكة من تعذيب على أيدي كفار قريش، كما كانت السبب الرئيس لتأسيس مجتمع عربي مسلم جديد يقوم على العدل والمساواة والمحبة والعقيدة السليمة، وهذت بشكل خاص، وأما بشكل عام فقد قهرت الهجرة النبوية القوتين العظميين بعد ذلك وهما الفرس والروم، وقامت على أنقاضهما الحضارة الإسلامية، ومن هنا يمكن القول أن الهجرة النبوية المباركة كانت إعجازًا في تخطيطها مدعومة بالتوكل على الله، وكانت أيضًا إنجازًا في بناء الدولة الإسلامية ونشر الإسلام في ربوع الأرض.. والله أعلم.
محمود عدلي الشريف