السبت 12 يوليو 2025 م - 16 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

سلطنة عمان رسالة الأخلاق فـي عالم مضطرب

سلطنة عمان رسالة الأخلاق فـي عالم مضطرب
الأربعاء - 09 يوليو 2025 02:18 م

د.رجب بن علي العويسي

20

يُقال بأنَّ قناعتنا حَوْلَ أنْفُسنا هي مَن يُحدِّد شخصيَّتنا وهُوِيَّتنا، وإنَّ تقديرنا لأنْفُسنا في ظلِّ اعتدال هو مَن يمنح حياتنا قِيمتها، غير أنَّ النَّاس قد تجهل الكثير من ذلك، وما يحلو للبعض أن يصفَ به ممارسات المُجتمع في جوانب حياته اليوميَّة، ويتداوله عَبْرَ منصَّات التَّواصُل الاجتماعي ومجموعات الواتس أب وغيرها، سواء على سبيل الفكاهة والضَّحك والاستهتار بقِيَم الإنسان وأخلاق المُجتمع وخصوصيَّته، أو كذلك على سبيل السَّب والشَّتم والتشفِّي وذكر العيب والتَّشهير بالآخر المختلف، في ظلِّ مقارنات غير مُنصفة وازدواجيَّة مُجحفة وشخصنة السُّلوك وتغييب لكُلِّ معاني الذَّوق والرُّقي ونفوق للمشاعر وحسِّ الشُّعور والعاطفة، يستدعي اليوم إعادة صياغة جديدة لمفاهيم الوعي، ورفع سقف محتوى برامج التَّوعية والتَّعليم والتَّثقيف المُجتمعي بحيثُ تؤسِّس في الفرد صدق الممارسة وحسَّ المسؤوليَّة وقوَّة التَّأثير وصناعة الأثر.

وإذا كان العُمانيون قد عُرفوا بقِيَمهم وأخلاقهم ومبادئهم، وهم يحملون رسالة الإنسانيَّة في رُقيِّها ونُبلها، وحُسن الجوار والتَّعايش مع الآخر والشُّعور به، فهم يحملون أيضًا في صدورهم منابر الحُب والتَّعاون والمشاعر الجيَّاشة، إنَّهم يمتلكون ذوق الكلمة، ورونق العبارة، وحكمة التصرُّف، ورُقيّ الأُسلوب، وتذوُّق جماليَّات الحياة، لِتصبحَ قناعاتنا الإيجابيَّة طريقًا لتغيير ممارساتنا، ورُقي أفكارنا وأطروحاتنا، ولِنثمّنَ قدر أنْفُسنا، لِنقدِّمَ للآخر صورة إيجابيَّة حَوْلَ سلوك الإنساني العُماني ومبادئه وأخلاقيَّاته، فإنَّ ما تحتضنه الثَّقافة العُمانيَّة من مفردات راقية، وأرصدة ثريَّة ومواقف مشهودة وتجارب ناجحة، كفيلٌ ببناء أرضيَّة للثِّقة في النَّفْس، والدقَّة في اختيار البديل المناسب من المفردات المتنوِّعة الَّتي تزخر بها، وتأطيرها في السُّلوك الفردي والاجتماعي بحيثُ تصبح رصيدًا ثريًّا يمنحها قوَّة وفاعليَّة وتأثيرًا مباشرًا في سُلوك المخاطبين، ونظرًا لأنَّ مسألة الذَّوق والجَمال نسبيَّة، قد تختلف من شخص لآخر، وقد تبرز عِندَ شخص دُونَ آخر، إذ المسألة تخضع لموازين الأفراد وطبيعتهم والأسلوب الَّذي يمتلكونه، وطريقة تقديرهم للأمور، ونظرتهم لطبيعة الحياة، فإنَّ مصطلحات التَّقليديَّة والبيروقراطيَّة والسَّذاجة وتحجيم الإتيكيت والمبالغة في التَّعبيرات الَّتي تُقال في بعض المواقف إمَّا إيجابًا أو سلبًا، لا يُمكِن الحكم خلالها على ثقافة وطنيَّة في ظلِّ ممارسات وسلوكيَّات فرديَّة متفرِّقة، أو اختزاله في ممارسات لا تتجاوز الإطار الشَّكلي الفردي.

إنَّ ما يعيشه الإنسان العُماني في ظلِّ نهضة مُتجدِّدة شملت جوانب الحياة المختلفة، ورسَّخت مناهج البحث والتَّشخيص والتَّطوير في معالجة قضايا الإنسان، وعزَّزتْ من قِيمة الحوار والشَّراكة والإيجابيَّة والتَّفاؤل في النَّظر إلى سُلوك التَّنمية؛ كفيلٌ بتغيير الممارسات ونقل جوهر التَّغيير ذاته إلى سُلوك المواطن، وتعامله مع كثير من جوانب الحياة، وما أنتجته ثقافته المعاصرة من قدرته في التَّعامل مع قضايا حياتيَّة مختلفة، وبناء ثقافة إيجابيَّة تُعزِّز في ذاته أبجديَّات الحياة ومفرداتها الجميلة، وبالتَّالي يصبح التعميم ضرب من التجني على حقيقة ما يمتلكه الإنسان من مشاعر راقيَّة وخصال نبيلة، وثقافة مهنيَّة قائمة على الذَّوق، واحترام الآخر، والاعتراف به والحوار معه، بحيثُ تصنع من المشترك الإنساني قِيمة مضافة لمُجتمع تَسُوده الوفاق ويعيش مواطنوه التَّعاضد والتَّراحم والتَّعاطف، لِمَا يحمله من صفات الود والبشاشة ولين الجانب، وهو بجانب ذلك يدرك حقوقه ومسؤوليَّاته وواجباته. لذلك يُشاد بأخلاق العُمانيِّين في كُلِّ أصقاع الدُّنيا، وهو ما يضعنا أمام مسؤوليَّة جعل هذه القِيَم والسُّلوكيَّات منطلقنا لعالم تبرز فيه مشاعر الإنسان العُماني في رُقيها وانتظامها وتعبيراتها الواعية. وتبقى مسألة التَّعامل مع مثل هذه الممارسات في ظلِّ مستوى الوعي الفردي والمُجتمعي، القائم على تأصيل مبادئ وأخلاقيَّات الحياة الإيجابيَّة في سُلوك الممارسين، وأن نعِي مفردات ثقافتنا الوطنيَّة ونوظِّفها بالشَّكل الصَّحيح الَّذي يُعبِّر عن هُوِيَّتنا وأخلاقنا وسَمْتنا العُماني، في ظلِّ ترسيخ منهج القدوة والمثُل العُليا، وثقة الإنسان العُماني في إنجازات وطنه، فإنَّ الارتقاء بالذَّات والسُّمو بالممارسات، وانتهاج أساليب قائمة على البحث والموضوعيَّة والتقصِّي، سوف يضع معادلة القوَّة الَّتي رسمتها سياسات سلطنة عُمان القائمة على الحياد الإيجابي وعدم التَّدخُّل في الشُّؤون الداخليَّة للغير وتعظيم لُغة الحوار في معالجة التَّحدِّيات.

إنَّ نهج أبناء عُمان ومواقفهم الحكيمة ومبادئهم السَّامية وأخلاقهم الرَّفيعة وسام شرف وفخر لكُلِ الشُّرفاء في العالَم، يتسامون فوق صيحات الخلاف ويسمون إلى مدارك العُلا والرِّفعة، ويعلون فوق دنايا الانبطاح وعار التَّصهيُن، والإنسان العُماني شخصيَّة متَّزنة في أفكارها وحواراتها ونقاشاتها وتحليلاتها وفي نصرته لمبادئ الأُمَّة وقضاياها المصيريَّة؛ ليجسِّدَ العُمانيون في سلاح الأخلاق ونهج القِيَم في قراءتهم لأحداث المنطقة واستحقاقات القضيَّة الفلسطينيَّة عَبْرَ منصَّات التَّواصُل الاجتماعي والفضاء الرَّقمي المفتوح، نموذجًا عمليًّا أصيلًا في الإجابة عن ما غفل عَنْه البعض في هذا العالَم الرَّقمي، لِيقفَ على تجلِّيات هذه الصُّورة في ميادين العمل وعرصات المنافسة الأخلاقيَّة: كيف تدرس الأخلاق في سلطنة عُمان، وكيف تقرأ أحوال الأُمَّة وكيف تنصر قضاياها، محطَّات يحتاجها العالَم اليوم لِيقفَ خلالها على مسؤوليَّته التَّاريخيَّة وأمانته الحضاريَّة في سبيل ضبط بوصلة مساره وإعادة تصحيح سُلوكه حماية للإنسان وترسيخًا للتَّنمية وتعزيز للسَّلام والتَّسامح والحوار والوئام؛ إنَّها العقيدة الحقَّة الَّتي التزمها العُمانيون في مختلف حقبِ التَّاريخ شواهد حيَّة وثوابت باقية، كانتْ لهم نهجًا وخلقًا وسَمتَا وأصالة وعروبة وإسلامًا.

أخيرًا، تبقَى أخلاقيَّات أبناء عُمان خيوطًا ممتدَّة وموردًا ثريًّا يصنع لهم قوَّة في اتِّصالهم وعلاقتهم مع العالَم الخارجي كما يؤسِّس فيهم أخلاق الأزمات واستنطاق القِيَم واستنهاض المبادئ، فعمروا الأرض بتواضعهم وعفوهم وصفحهم وإحسانهم، حتَّى بنوا للإنسانيَّة مجدًا عظيمًا، وهي نهضة عُمان المُتجدِّدة الَّتي انطلقتْ من هذا النَّهج المتَّزن، المنفتح، المتسامح، والمتعاطف مع شعوب الأرض جميعها، المُحبّ للسَّلام والمؤصِّل لحُسن الجوار، فبهذه الأخلاق العالية انتفض العُمانيون، حتَّى أصبح لهم في قلوب الإنسانيَّة شأن، وموقع وحضور فَلْنرتقِ بأخلاقنا ومبادئنا وتسامحنا، ولْنُحسنِ الظَّن بأنْفُسنا وقِيَمنا.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]