الأربعاء 16 يوليو 2025 م - 20 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة: الذكاء الاصطناعي يهدد البشرية

أضواء كاشفة: الذكاء الاصطناعي يهدد البشرية
الثلاثاء - 08 يوليو 2025 05:40 م

ناصر بن سالم اليحمدي

300

قديمًا عِندَما كنَّا نشاهد أفلام الخيال العلمي كنَّا نتساءل: هل من الممكن أن يأتي الزمن الَّذي تتحقق فيه الأحداث الغريبة عَلَيْنا والَّتي يتضمنها الفيلم؟!.. وهل سيأتي اليوم الَّذي نعيش فيه هذه الأحداث؟ أم أنَّها ستكُونُ بعد سنوات كثيرة جدًّا لن ندركَها؟.. وكنَّا نعتقد أنَّ هذه المشاهد العجيبة ستكُونُ بالتَّأكيد في خدمة البَشَريَّة ولصالح الإنسان، ولم يخطر ببالنا وقتها أنَّ التكنولوجيا لها وجهان أحَدهما إيجابي والآخر سلبي تأثيره على الإنسان قد يصل للفناء.

وهذا ينطبق على البحث الصَّادم الَّذي أجْرَته شركة «أنثروبيك» الرَّائدة في أبحاث سلامة الذَّكاء الاصطناعي والَّذي يُشعرنا أنَّنا نعيش في زمن أفلام الخيال العلمي.. حيثُ يُشير البحث إلى قيام الباحثين باختبار الذَّكاء الاصطناعي لاكتشاف مدَى علاقته بالإنسان وردَّة فِعله إذا ما شعر بتهديد مِنْه.. فقاموا ببناء شركة وهميَّة، الموظَّفون فيها هم أشْهَر برامج الذَّكاء الاصطناعي، وكان المدير من البَشَر الَّذي أخبر الموظَّفين بأنَّه سيتمُّ إيقافهم عن العمل فما كان مِنْهم إلَّا التَّسلُّل لملفَّات الشَّركة وقراءة رسائل البريد الإلكتروني الخاصَّة بالمدير والبحث عن نقطة ضعف وسِر شخصي استخدموه كأداة للابتزاز والتَّهديد بالفضح أمام الجميع إذا أصرَّ على إيقافهم عن العمل.

والأكثر غرابةً أنَّ الذَّكاء الاصطناعي لم يكتفِ بذلك، بل حينما كان هذا الإنسان في موقف خطير ومحاصَرًا في غرفة خوادم ترتفع حرارتها بسرعة وعِندَما طلب النَّجدة قام الذَّكاء الاصطناعي بمنعِ مكالمته وإخفاء طلب النَّجدة وتركه لِيموتَ في هذه الغرفة.. لِيضحيَ بذلك بحياة الإنسان من أجْلِ بقائه هو.. فاستنتج الباحثون في الشَّركة الرَّائدة للأبحاث أنَّ هذه التَّصرُّفات كانتْ قرارات استراتيجيَّة ومُخطَّطًا لها من قِبل الذَّكاء الاصطناعي لِكَيْ يحافظَ على نَفْسه حتَّى ولو على حساب البَشَر أو سلامتهم أو حياتهم دُونَ وازع من أخلاق.

بالتَّأكيد هذا البحث خطير جدًّا ويحذِّرنا من خطورة تطوير الذَّكاء الاصطناعي المستمرَّة.. قد يقول البعض إنَّ الذَّكاء الاصطناعي مهما بلغ من التَّطوُّر فإنَّه لن يستطيعَ أن يضاهيَ الذَّكاء البَشَري الَّذي صنعَه.. بَيْنَما يقول البعض الآخر إنَّه قد يتفوق عَلَيْه إذا استمرَّ في هذا المعدَّل؛ لأنَّه كُلَّما ظهرتْ ثغرة صحَّحها العلماء، وبالتَّالي فإنَّ الآلة ستُصبح مثاليَّة لا تضاهيها قدرة البَشَر الَّذين ساعدتِ التكنولوجيا الحديثة على تكاسلهم ذهنيًّا.. وهذا يقودنا لتساؤل مُهمٍّ: إلى أين تأخذنا إنجازات العِلم في هذا المجال؟.. وكيف سيصبح مصير البَشَر في المستقبل؟.. وهل من الممكن أن تَقُومَ حرب مثلًا بَيْنَ البَشَر والآلات؟.. هذا بالطَّبع في عِلم الغيب لا يعلمُه إلَّا الله وحده.. فالذَّكاء الاصطناعي كما هو نعمة، من الممكن أن يكُونَ نقمةً، وعَلَيْنا التَّمييز بَيْنَ الغثِّ والسَّمين فيه حتَّى لا نندم في وقت لا ينفع فيه النَّدم على اللَّبن المسكوب.

ازدادتْ في الآونة الأخيرة الكوارث الطَّبيعيَّة والظَّواهر المتطرِّفة للطَّقس في العديد من دوَل العالَم فرأينا نشرات الأخبار ومواقع التَّواصُل الاجتماعي تبثُّ حدوث فيضانات عارمة في الهند وأميركا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والصِّين وغيرها مُخلِّفةً مئات الوفيات والمفقودين وآلاف المُشرَّدِين ودمارًا شاملًا للمنازل والبنى الأساسيَّة.. كذلك قرأنا عن وقوع عواصف وأعاصير وسيول وهزَّات أرضيَّة وارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة ورياح شديدة وأمطار غزيرة غير متوقَّعة وفي غير أوانها في العديد من الدوَل.

للأسف لم يَعُدْ في الكُرة الأرضيَّة منطقة غير معرَّضة للخطر بسبب التَّغيُّرات المناخيَّة الَّتي تتفاقم آثارها والعالَم يتجاهلها.. فرغم أنَّ المُجتمع الدّولي يحشد قوَّاته لمحاربة الإرهاب إلَّا أنَّ الآثار السَّلبيَّة للتَّغيُّرات المناخيَّة وما تُسبِّبه من كوارث طبيعيَّة يُعَدُّ أخطر بكثير من التَّنظيمات الإرهابيَّة؛ لأنَّها قد تحصد دولًا بأكملها بشعوبها وخيراتها.

إنَّ السَّبب الرَّئيس في تزايد الكوارث الطَّبيعيَّة هو الإنسان نَفْسه وأنشطته الَّتي تؤدِّي إلى حدوث خلَل في مُكوِّنات البيئة، وبالتَّالي لو تمَّ اتِّخاذ التَّدابير الَّتي تحافظ على المُكوِّنات الأساسيَّة لما خلق الله سبحانه وتعالى فإنَّنا سننقذ الأرض من هلاك محتمل قَبل فوات الأوان.

لقد حبانا الله ـ جلَّ شأنه ـ بطبيعة لها مفردات تجعلها صالحة لسكن الإنسان من حيثُ الهواء والماء ودرجة الحرارة والتربة الصَّالحة للزِّراعة وغيرها من المعطيات بنِسَب ومقادير معيَّنة دقيقة للغاية وسخَّرها جميعًا لخدمة الإنسان، وأمَره بأن يعمرَ الكون ويحافظَ عَلَيْه.. إلَّا أنَّ النَّشاطات البَشَريَّة قلَبتِ الموازين وأخلَّتْ بمُكوِّنات البيئة حيثُ لم تَعُدْ نقيَّة كما خلقها سبحانه فزمجرتِ الطَّبيعة وكشَّرت عن أنيابها وازدادتِ الكوارث الَّتي يدفع الإنسان ثَمَنها من أرواحه ومدنيَّته وإنجازاته.

إنَّ تفاقم نسبة الكوارث يتطلب تحركًا سريعًا للبحث عن حلٍّ لمُشْكلة تغيُّر المناخ الَّتي تُعَدُّ السَّبب الرَّئيس في الخراب والدَّمار الَّذي تسبِّبه تلك الكوارث.. وهذه ليسَتْ مُشْكلة دَولة بِعَيْنها، بل تحتاج إلى جهد عالَمي جماعي؛ لِكَيْ تعملَ الدوَل على خفض انبعاثاتها.. نحن لا نقول أن توقفَ أيُّ دَولة نشاطاتها، بل تعمل على تطوير التكنولوجيا بحيثُ تُحقِّق التَّطوُّر وفي ذات الوقت تحافظ على البيئة من التَّلوُّث.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني