لم يَعُدْ تسهيل إجراءات تأسيس المشاريع خيارًا هامشيًّا في الاقتصاد الحديث، فهو اليوم أساس ترتكز عَلَيْه خطط التَّحوُّل نَحْوَ اقتصاد متنوِّع، يفتح الأبواب أمام الأفكار الواعدة ورؤوس الأموال الباحثة عن بيئة موثوقة وسريعة الاستجابة. وتتقدم الجهود في سلطنة عُمان بخُطى ثابتة لتطويرِ بيئة أعمال مَرِنة تُواكب المتغيِّرات، وتعتمدُ على منصَّات ذكيَّة تختصر الوقت، وتقلِّل التَّكاليف وتمنح روَّاد الأعمال الثِّقة بأنَّ إنجاز معاملاتهم يتمُّ بأعلى درجات الكفاءة. ومع تسارُع الابتكار في الحلول الرَّقميَّة، توسَّعتْ دائرة الخدمات الإلكترونيَّة لِتشملَ دَوْرة العمل بالكامل من التَّسجيل وحتَّى التَّصفية، مرورًا بعمليَّات التَّصاريح وإدارة الملكيَّة الفكريَّة وتحفيز المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة على النُّموِّ.. بهذه الأدوات يتحول الاستثمار إلى تجربة أكثر وضوحًا واستدامة، تُعزِّز من فرص توظيف الكفاءات الوطنيَّة وتدعم طموح السَّلطنة نَحْوَ اقتصاد متنوِّع الموارد مَتِين الأُسُس. وتأتي منصَّة (عُمان للأعمال) لِتُشكِّلَ نموذجًا حقيقيًّا لتطويعِ التكنولوجيا في خدمة بيئة الاستثمار، فمن خلالها يجدُ المستثمِر باقة شاملة من الخدمات تبدأ بتسجيل السجلَّات وتنتهي بإدارة التَّصاريح والبحث في قواعد البيانات بسهولة ويُسر. ويستند نجاح المنصَّة إلى شراكات واسعة مع أكثر من (17) جهةً حكوميَّة، وتبادل بيانات مع أكثر من (35) جهةً أخرى، ما يَضْمن أنَّ الإجراءات تَسير ضِمن منظومة مترابطة تنجز بسرعة وبدقَّة. فنسبة الرَّقمنة الَّتي تجاوزتْ ثلاثة أرباع الخدمات، وحجم التَّراخيص الصَّادرة تلقائيًّا، أرقام تُترجِم نجاح هذا التَّوَجُّه، وتمنح التقنيَّات المستخدمة المستثمِر ميزةً إضافيَّة؛ وذلك من خلال محاكاة خطوات إنشاء السِّجل التِّجاري، والاطِّلاع المُسبق على متطلَّباته، ما يُسهم في تقليل الأخطاء، ويزيد من قدرة أصحاب المشاريع على التَّخطيط الفعَّال قَبل اتِّخاذ قراراتهم الاستثماريَّة. يتكامل هذا التَّحوُّل مع منصَّة (استثمر في عُمان) الَّتي أصبحتْ بوَّابة مباشرة لعرضِ الفرص وتيسير التَّواصُل مع المستثمِرِين المحتملِين وإرشادهم إلى المناطق الاقتصاديَّة والحوافز المناسِبة. في المقابل، كما تبرز مبادرة (صُنع في عُمان) كداعم رئيسٍ لمنتجات المصانع الوطنيَّة عَبْرَ فتح نوافذ بيع وترويج جديدة، وتعزيز ارتباطها بعقود التَّوريد الحكوميَّة والخاصَّة، وهو ما يُسهم في زيادة الطَّلب ورفع الإنتاجيَّة وتوفير وظائف جديدة للكوادر الوطنيَّة.. فهذه الخطوات تقلِّل من الاعتماد على الاستيراد، وتدعمُ سلاسل الإمداد الدَّاخليَّة، وتكرِّسُ مكانةَ المنتَج المحلِّي ضِمن معايير الجودة العالميَّة. ومع التَّوَسُّع في هذه المبادرات يُصبح المنتَج الوطني قادرًا على مواجهة المنافسة الإقليميَّة، والدُّخول إلى أسواق أوسع بميزة تنافسيَّة قائمة على الاعتماد على موارد وخبرات محليَّة. ولعلَّ أبرزَ ما يُميِّز هذا التَّحوُّل أنْ يتكاملَ عَبْرَ أدوات حديثة مثل (معروف عُمان) الَّتي تنظِّم قِطاع التِّجارة الإلكترونيَّة وتزيد ثقة المستهلكِين في المتاجر الرَّقميَّة المُرخَّصة، إلى جانب منصَّة (حزم) الَّتي ترفع جودة المنتجات عَبْرَ اعتماد شهادات المطابقة، وتشجيع المصنِّعِين على الالتزام بالمواصفات الفنيَّة. ومن جانب آخر تؤدِّي (صادرات عُمان) دَوْرًا محوريًّا في فتح أسواق خارجيَّة أمام المنتَج الوطني، وذلك عَبْرَ تقديم حلول تصديريَّة متكاملة تربط المصدِّرِين المحليِّين بالمشترِين حَوْلَ العالَم، كما تُضيف مراكز سند ـ بمرونتها وسرعتها في إنجاز آلاف المعاملات اليوميَّة ـ قِيمة مضاعفة لخدمة الأفراد وروَّاد الأعمال في وقتٍ واحد. باختصار، إنَّ هذه المنظومة الرَّقميَّة الَّتي تُديرها وزارة التِّجارة والصِّناعة وترويج الاستثمار وفْقَ استراتيجيَّة واضحة وأدوات ذكاء اصطناعي وعلوم بيانات متقدِّمة، تحملُ رسالةً مُهمَّة وهي أنَّ عُمان تَسير بخُطى محسوبة نَحْوَ اقتصاد رقمي تنافسي يُمكِّن شبابَها وروَّاد أعمالها من الابتكار وتحويل الأفكار إلى مشاريع تُبقي عجلة التَّنمية دائرة بقوَّة وثقة.