خبر الاحتيال الكبير في قِطاع نظام الرِّعاية الصحيَّة الأميركي لا يُمكِن أن يمرَّ دُونَ وقفة وتمحيص، هل ينخر الفساد والاحتيال الإدارة في الولايات المُتَّحدة، وهل فشلتِ الرَّقابة الرَّقميَّة الهائلة في أميركا في كشف الاحتيال عِندَ الشُّروع به؟ على الطَّرف الآخر هل سيمسك الفاسدُونَ في الدوَل الأكثر فسادًا في العالَم هذا الخبر، ويتعكزون عَلَيْه لمواصلة فسادهم والتَّرديد «لسنا وحدنا» أنظروا ماذا يحصل في أميركا؟ ثمَّة انطباع عام يُشير إلى أن «النموذج الأميركي» متطوِّر في مختلف المجالات، الاقتصاديَّة والتكنولوجيَّة والعسكريَّة وغيرها، إلَّا أنَّ حدثًا مِثل الَّذي نتناوله كفيل بإعادة النَّظر بمِثل هذه القناعات المترسِّخة عَبْرَ عقود، ورُبَّما أكثر القناعات رسوخًا بعدم وجود ثغرات تتيح الفرص للاحتيال، بسبب اعتماد المؤسَّسات الرقابيَّة المحاسبيَّة والماليَّة وانتشارها في الولايات الأميركيَّة على أوسع نطاق، لهذا نسمع بَيْنَ الفينة والأخرى أنَّ النِّظام الرَّقابي قد توصَّل إلى أشخاص يحاولون ممارسة الاحتيال الضريبي، ثمَّ تتمُّ محاسبة أولئك بقوَّة، ويزداد اليقين يوميًّا بأنَّ شركات وادي السيلكون بقدراتها التقنيَّة الهائلة لن تتركَ الأبواب والنَّوافذ مشرعة لِمن تسوِّل له نَفْسه السَّرقة والاحتيال، لكن رغم ذلك جاء الخبر صاعقًا. يعتقد الكثيرون من المتابعين للشَّأن الاقتصادي والمالي الأميركي أنَّ فضيحة الاحتيال الكبرى الَّتي كان بطلها الملياردير والمصرفي الأميركي الشَّهير بارني مادوف، الَّذي احتال بمبلغ خمسين مليار دولار، وبعد عدَّة أشْهُر من الأزمة الاقتصاديَّة العالَميَّة تمَّ كشف أمْره أواخر العام 2008، ما حصل كفيل بإجراء مراجعات واسعة في جميع الميادين الماليَّة والمصرفيَّة.. صحيح أنَّ مادوف الَّذي سبق له رئاسة نازداك قد مارسَ النَّصب والاحتيال الواسع على المواطنين، لكن مثل تلك العاصفة الَّتي امتلأ المُجتمع الأميركي بشررها لا يُمكِن أن تمرَّ مرور الكرام، فالمُجتمعات المتطورة تأخذ جميع الإشارات وتندفع بقوَّة لمعالجة سبب الانتكاسات، لهذا فإنَّ الصِّحافة الأميركيَّة وتحديدًا الاستقصائيَّة لم تترددْ في كشف الفساد بمختلف وجوهه منذُ أواخر القرن التاسع عشر، وتتصدى الصِّحافة للفاسدين، سواء من المتهربِينَ من الضَّرائب أو من المسؤولين الحكوميِّين وثمَّة الكثير من القصص الَّتي يعرفها الأميركيون تحديدًا، لكن أن تظهرَ فضيحة بهذا الحجم وفي زمن رصد التقنيَّات ومتابعتها لكُلِّ زاوية في الإدارات المتعدِّدة، فإنَّ ذلك يثير علامات استفهام قد تكُونُ مُخيفة، خصوصًا في الدوَل الَّتي يسيطر على مفاصلها الفاسدُونَ ويمارسون سرقاتهم في وضح النَّهار وعلى أوسع نطاق. من أخطر ما يتركه هذا الحجم الاحتيالي في الولايات المُتَّحدة «ثقافة» تبرير السَّرقات خصوصًا الصَّفقات المهولة، هو ترديد الفاسدين والمسانِدين لهم من الحاصلين على بعض الفتات، «الفساد في كُلِّ مكان في العالَم» هذا ما سيتردد من قِبل هؤلاء وتتصدر كُلّ اسم الولايات المُتَّحدة. نترقَّب أمْرَيْنِ، الأوَّل ماذا ستكُونُ نتائج التَّحقيقات بخصوص هذا الاحتيال ودَوْر الصِّحافة الاستقصائيَّة ووسائل الإعلام المختلفة الأميركيَّة في كشف المزيد من التَّفاصيل؟ والثَّاني طبيعة الأحكام الَّتي سيصدرها القضاء الأميركي ونَوعيَّة الإجراءات الَّتي تتَّخذها المؤسَّسات الأميركيَّة في ضوء كُلِّ ذلك.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي