الخميس 03 يوليو 2025 م - 7 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

من كمائن التحليلات السياسية

من كمائن التحليلات السياسية
الأربعاء - 02 يوليو 2025 05:41 م

عادل سعد

10

•على خلفيَّة وقف إطلاق النَّار بَيْنَ «إسرائيل» وإيران لم يسلم الواقع السِّياسي الحالي على الصَّعيدَيْنِ الإقليمي والدّولي من تشوهات وشكوك وأسئلة حائرةٍ، فبعد اثني عشر يومًا من حرب ضروس في تبادل هجمات جويَّة على مدار السَّاعة وشيوع المزيد من محرِّكات الحرب النَّفْسيَّة توَّلتها مصادر سياسيَّة من الجانبَيْنِ، وكذلك بفعل محلِّلين سياسيِّين التقطوا حدَث وقف إطلاق النَّار من زوايا انحيازيَّة وأخذوا ينسجون تحليلات على هواهم بمناقضة واضحة لجوهر الوقائع، وهذا ما يهمُّنا هنا تناوله. •المنصف في التَّعاطي مع هذا الحدث ينبغي أن يأخذَ بنظر الاعتبار أربعة مستندات طغَتْ على أرض الواقع. •الأوَّل: إنَّ الهدف «الإسرائيلي» لم يقتصر على تدمير المفاعلات النوويَّة الإيرانيَّة، بل هو أبعد من ذلك فقَدِ استهدفَ بنية الدَّولة في هذا البلد الإسلامي. •المستند الثَّاني: إنَّ الهجوم الجوِّي الأميركي على المفاعلات النوويَّة الثلاثة جاء بعد فشل الهجمات «الإسرائيليَّة» عَلَيْها، وبذلك يُمكِن تصنيف الهجوم على أنَّه جاء بطابع نجدة لـ»لإسرائيليِّين». •المستند الثَّالث: إنَّ الإيرانيِّين تفوَّقوا في تدمير شواهد «إسرائيليَّة» محصَّنة كان «الإسرائيليون» يتفاخرون بأنَّها خارج تغطية الاستهداف الإيراني. •المستند الرَّابع: إنَّ المعايير المزدوجة ما زالتْ رائجة بوجهها الملبَّد وغير المنطقي، وإزاء ذلك كان دقيقًا ومنصفًا الأمير تركي الفيصل حين طالبَ الأميركيِّين بتدمير المشروع النَّووي «الإسرائيلي»، وبذلك تكُونُ هناك فرصة منطقيَّة للعدل. •إنَّ بعض المحلِّلين جاهزون دائمًا للدخول على الأحداث بطروحات مدفوعة الثَّمن، أو عن جهل، أو خلطٍ بَيْنَ الاثنين بخلاف الَّذين لدَيْهم خبرة ونيَّة موضوعيَّة، وهم ـ مع الأسف ـ قلَّةٌ، تبقَى أصواتهم غير مسموعة على نطاق واسع، أنَّهم يترفعون على الانحياز إلَّا للحقيقة ويقفون بموضوعيَّة وتجرُّد وشفافيَّة، وبخلاف ذلك يلجؤون إلى الصَّمت توظيفًا للتَّوجيه الشَّرعي (قُلْ خيرًا وإلَّا اصمُتْ). •(إنَّ الصَّمْت هو الطَّريقة الوحيدة الَّتي تُشرِّف الإنسان في بعض الأحيان)، وإذا كان الأديب المصري عبد الرحمن الشَّرقاوي قد قال (الكلمة مسؤوليَّة) في مسرحيَّته الشَّهيرة (الحسين شهيدًا) يظلُّ بعض المحلِّلين مجرَّد سعاة بريد لرسائل شحن وتأليب وتزلُّف ورجم بالغَيْب وخلط أوراق، والخوض في مياه عكرة، ولك أن تقيسَ حجم الارتدادات المشوّهة على فرصة استدامة الصَّحيح. •إنَّ تبادلًا معلوماتيًّا مزريًا من هذا النَّوع لا بُدَّ أن يضعَ الرَّأي العامَّ، أي رأي عام، أمام لوثة من الفَهْمِ المشوَّش وتأثيث مخاطر قد تمهِّد الطَّريق إلى المزيد من المزاعم المُسمّمة. •أنا لا أدعو هنا إلى مقاييس جديدة للمهنيَّة الإعلاميَّة المشرِّفة الَّتي ينبغي أن يكُونَ عَلَيْها المحلِّل السِّياسي، لكن من حقِّي أن أشيرَ إلى وجهة نظر لا خلاف عَلَيْها. •لا يجوز للمحلِّل السِّياسي أخلاقيًّا وشرفيًّا أن ينقلَ معلومات ويروِّجَ لها إن لم تكُنْ على درجة من المصداقيَّة والوضوح في الأهداف. •أعتقد، أنَّ نسبة المتعاطين بالتَّضليل ليسَتْ ضئيلة، إذا أخذنا بحقائق أشار إِلَيْها الباحث الأميركي جون بيركنز صاحب كتاب الاغتيال الاقتصادي للأُمم مركزًا في جانبٍ مُهمٍّ من سرديَّتهِ على الكيفيَّة الَّتي تُدار بها المعرفة المرافقة لنزعة الهيمنة. •من قراءتي للكِتاب بنسخته المترجمة إلى العربيَّة اكتشفتُ كيف يُدار النُّفوذ الأميركي الاستحواذي بالمزيد من الهيمنة التضليليَّة لتغيير القناعات باتِّجاه فرض يقينٍ مزوَّر يتمُّ من خلاله استطعام التَّهويم المعرفي. •إنَّ أهمَّ ما تتطلبه ثقافة التَّعريف صيانتها من تلوُّث الشُّكوك، وخلاف ذلك تكُونُ اجتهادًا انحطاطيًّا يُراد به الابتعاد عن الفرز الموضوعي. •يقول الجاحظ (من تقطّع نَظْمه، بَطِلَ وزنه).

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]