الثلاثاء 01 يوليو 2025 م - 5 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رسائل سلبية من المواجهة الأميركية «الإسرائيلية» مع الجمهورية الإيرانية

رسائل سلبية من المواجهة الأميركية «الإسرائيلية» مع الجمهورية الإيرانية
الأحد - 29 يونيو 2025 05:36 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20

استنتاجات عديدة ورسائل كثيرة خلَّفها الصِّراع الدَّائر بَيْنَ الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة من جهة و»إسرائيل» والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة من جهة أخرى خلال الفترة الماضية (مع العِلم أنَّ المواجهة ما زالتْ مستمرَّة). أرغب في هذا الطَّرح المرور على نقطتيْنِ مِنْها فقط بشكلٍ موجز، أُولاهما: استمرار الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في عدم الالتزام بالقانون الدّولي في التَّعامل مع الدوَل السَّاعية لامتلاك برامج نوويَّة سلميَّة، بل وأدقّ من ذلك التَّعامل بمعايير مزدوجة في هذا السِّياق، فتَحُول دُونَ حصول بعض الدوَل على البرامج النوويَّة السلميَّة وتدعم الدوَل السَّاعية لامتلاك برامج نوويَّة عسكريَّة مثل المستعمرة «الإسرائيليَّة». وفي هذا السِّياق أسترجع بعض المقالات القديمة الَّتي كتبتُها في ذات القضايا مِنْها: مآلات انسحاب الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة من التزاماتها القانونيَّة الدوليَّة، ومقال «ثلاثيَّة الانسحابات الأميركيَّة من الاتِّفاق النَّووي إلى السَّماء المفتوحة»، وأخيرًا مقال سياسة نفي العالَم على الطَّريقة الأميركيَّة «كيف تتخلى الولايات المُتَّحدة عن التزاماتها وحلفائها»، وهي مقالات يستخلص مِنْها العديد من النَّتائج، ولكنَّ أهمَّها على الإطلاق وهي القضيَّة الثَّانية أو الرِّسالة السلبيَّة الثَّانية: وهي عدم الثِّقة في التزامات وخِطابات وتعهُّدات الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة. وما يؤسف له أنَّ أغْلبَ تلك الرَّسائل تمَّتْ في عهد الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يؤكِّد كذلك وفي ذات السِّياق أنَّ النِّظام الأميركي تحوَّل خلال السَّنوات الأخيرة إلى نظام حُكم الفرد مغلَّف بالديموقراطيَّة الواهمة، فالرَّئيس الأميركي يُمكِن أن يفعلَ ما يشاء دُونَ أيِّ اعتبارات للقانون الوطني أو القانون الدولي، فيما يُطلق عَلَيْه بسياسة رعاة البقر على الطَّريقة الأميركيَّة، وهو أمر خطير آخر، يؤكِّد أنَّ العالَم تحكمه القوَّة وليس القانون. ونطرح هنا السُّؤال الآتي: ما أبرز النَّتائج الَّتي ستخلِّفها الرَّسائل الأميركيَّة سالفة الذِّكر على النِّظام العالَمي؟ ولعلِّي أجيب باختصار مع ذكر بعض الأمثلة الحاضرة وهي كوريا الشَّماليَّة، حيثُ مساعي امتلاك السِّلاح النَّووي، وليس فقط برنامجًا نوويًّا سلميًّا، فماذا فعلتِ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة بهذا الخصوص؟ لماذا لم تتمكنِ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة من القضاء على البرنامج النَّووي الكوري الشَّمالي؟ وأقول باختصار: إنَّها الصِّين ووقوفها مع كوريا الشَّماليَّة، وتهديدها المباشر بالتَّدخُّل في حال تدخَّلتِ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في كوريا الشَّماليَّة، الأمْر الَّذي يؤكِّد من جديد أنَّ العالَم تحكمه القوَّة وليس القانون للأسف الشَّديد. وللرَّبط بَيْنَ الصِّراع الإيراني/ الأميركي «الإسرائيلي» والبرنامج النَّووي الكوري الشَّمالي أقول: إنَّ هذه الأخيرة ستتمسَّك الآن ببرنامجها النَّووي أكثر من السَّابق، ولن تصدقَ بعد الآن أيَّ تعهُّدات دوليَّة حيال برنامجها النَّووي، خصوصًا التَّعهُّدات الأميركيَّة، وهو أمْر طبيعي بعد أن شاهَدتْ وسمعتْ بِعَيْنِها الأكاذيب الغربيَّة حيال البرنامج النَّووي الإيراني، واللُّجوء إلى القوَّة خارج إطار القانون الدّولي مع البرنامج النَّووي الإيراني رغم تأكيدات المؤسَّسات المعنيَّة بأنَّه برنامج سلمي. وهنا أعُودُ لازدواجيَّة المعايير الأميركيَّة، الرَّافضة لأيِّ اعتداء على القانون الدّولي وانتهاكه في ذات الوقت من قِبلها، في رفض انتشار البرامج النوويَّة وعدم قدرتها على مواجهة قوَّة أخرى؛ لأنَّها مدعومة من دوَل كبرى، في إصرار الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة على التزام العالَم بالقانون الدّولي وانتهاكها السَّافر والعلني له، فكيف بعد ذلك يُمكِن القول بإمكانيَّة تصديق الولايات المُتَّحدة والقانون الدّولي؟! أميركا الَّتي تطالِب العالَم بالالتزام بالقانون الدّولي هي نَفْسُها الَّتي انسحبتْ من الاتِّفاق النَّووي مع إيران ومعاهدة حظر الصَّواريخ القصيرة والمُتَوسِّطة، الأمر الَّذي دفعَ روسيا للقيام بالمِثل، وهذا الأُسلوب سيؤدي إلى مزيدٍ من الشُّكوك في نزاهتها وتراجع الثِّقة بها حيال العديد من التَّوجُّهات السِّياسيَّة والأمنيَّة الدوليَّة المستقبليَّة على اعتبار أنَّها القوَّة الأكبر على المستوى العالَمي، والَّتي يُفترض أن تكُونَ القوَّة الحامية للقانون والمدافعة عَنْه، الأمر الَّذي سيخلق مخاوف من تنصُّلها من العديد من الالتزامات القائمة اليوم مع العديد من دوَل العالَم، يضاف إلى ذلك ما يُمكِن أن يتسببَ به هذا الاتِّجاه من مخاطر على الأمن والسَّلام الدّولي. وما زاد الطِّين بلَّة، أنَّ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في عهد الرَّئيس ترامب أكَّدتْ وبما لا يدع مجالًا للشَّك على عدم رغبتها في الأخذ بتلك القواعد بشكلٍ صريح وعلني عَبْرَ الانسحاب من المؤسَّسات الَّتي انضمَّتْ إِلَيْها والمعاهدات الدّوليَّة الَّتي أقرَّتها في فترة الرُّؤساء السَّابقين، بالإضافة إلى انسحاب واشنطن من البروتوكول الملحق باتِّفاقيَّة فيينا لحلِّ النِّزاعات بالطُّرق السِّلميَّة على خلفيَّة شروع فلسطين على رفع قضيَّة أمام محكمة العدلِ الدّوليَّة ضدَّ أميركا، وتخلِّيها عن حلفائها وأصدقائها ومَن تعهَّدتْ بدعمهم ومساندتهم كما هو حال أوكرانيا بشعار (لن نقفَ إلَّا مع الحلفاء الَّذين يدفعون فقط) بل والأسوأ من ذلك هو اعتبار بعض حلفاء الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في عهد الرَّئيس ترامب أعداءها الحقيقيِّين. وكما يقول وزير الخارجيَّة الرُّوسي سيرجي لافروف إنَّه «عِندَما تعتقد الولايات المُتَّحدة أنَّ شيئًا ما يناسبُ مصالحها، يُمكِنها أن تخونَ أولئك الَّذين كانتْ صديقةً معهم، والَّذين تعاونتْ معهم، والَّذين تبنَّوا مواقفها في جميع أنحاء العالَم» حيثُ ـ وبهدف تحقيق مصالحها ـ تَقُومُ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة من الضَّغط على شركائها وأصدقائها للابتعاد والتَّخلِّي عن الانفتاح على الصِّين وروسيا وإيران، وإن كان ذلك يُحقِّق مصالح تلك الدوَل، حيثُ ترغب «الولايات المُتَّحدة من حلفائها أن ينسوا منافع استيراد الغاز من روسيا والبضائع من الصِّين، وأن يشتروا من الولايات المُتَّحدة الغاز المسيّل وبقيَّة الصَّادرات، وأن يُتوِّجوا كُلَّ ذلك بصفقات السِّلاح الأميركي». 

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية [email protected] MSHD999 @