حَصَدَ الشاعرُ العراقيُّ حميد سعيد، والروائيَّة والإعلاميَّة العراقيَّة إنعام كجه جي، جائزةَ السُّلطان العويس في دولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة، في دَوْرتها التاسعة عشرة (2024 – 2025)، وهي جائزةٌ رفيعةٌ تُمنَحُ عن العطاءِ الإبداعيِّ المُتميِّز، في خلاصةِ تجربةٍ عميقةٍ ومؤثِّرة، لِمَا أبدعهُ مَن يقعُ عَلَيْه اختيارُ التَّكريم، عن مجملِ مسيرتهِ في رفدِ الثَّقافةِ والمعرفةِ، وبما يخدمُ الإنسانيَّة. العِراقيّان اللَّذانِ فازا بالجائزةِ، يُمضِيانِ حياتَهما في بلادِ الغُربة، بعيدًا عن وطنِهما. وبَيْنَما مضى على وجودِ الكاتبةِ كجه جي عدَّةُ عقودٍ في فرنسا، فإنَّ الشاعرَ سعيد يُقيمُ في العاصمةِ الأردنيَّة منذُ أكثر من عشرينَ عامًا، يلتقي خلالها باستمرارٍ بأعدادٍ من الكتَّابِ والمبدعينَ والإعلاميِّينَ العراقيِّينَ والعرب، إذ لم ينقطع عن هذه الأوساطِ الَّتي تحتفي بالشاعرِ حميد سعيد أينما حلَّ. وبهذه المناسبة، لا بدَّ من القول إنَّ الشاعرَ والأديبَ، عِندَما يتبوّأُ مسؤوليَّة ثقافيَّة وإعلاميَّة كبيرةً في بلده، فإنَّ خلافاتٍ تدبُّ بسببِ الحساسيَّة المعروفةِ في جميعِ الأوساطِ الإعلاميَّة والأدبيَّة. لكنَّ تجربةَ الشَّاعرِ سعيد، وعلاقتهُ مع معارفهِ وأصدقائهِ من الوسطينِ الإعلاميِّ والأدبيِّ، لم تتأثَّر، ما يُؤكِّدُ وجودَهُ الإبداعيَّ قبل أيِّ شيءٍ آخر. إنَّ غيابَهُ عن السَّاحةِ لأكثر من عقدين، قد يُسهِمُ ـ بصورةٍ أو بأخرى ـ في تعزيزِ حضورِه وفاعليَّتِه. لكنَّ المُبدعَ الحقيقيَّ لا يتوقَّفُ عن الإبداعِ رغمَ الظُّروفِ الصَّعبة، بل إنَّ الشاعرَ حميد سعيد واصلَ العطاءَ بوتيرةٍ متصاعدة، وبنوعيَّة متميزة، فاستمرَّ في الكتابةِ والنَّشر، ولم يتوقَّف النقَّادُ والدارسونَ عن تناولِ تجربتهِ المتواصلةِ والمتجدِّدة. وقد صدرت عَنْه دراساتٌ وأبحاثٌ، ونُشرت المقالاتُ في الكثيرِ من الصحفِ والمجلاتِ الثَّقافيَّة والأدبيَّة المتخصصة، على طولِ وعرضِ السَّاحةِ العربيَّة. وقد غمرتِ الفرحةُ الأوساطَ الثَّقافيَّة والأدبيَّة العراقيَّة، في داخلِ العراقِ وخارجه، كما استُقبِلَ خبرُ الفوزِ بالفرحِ من الجموعِ الكبيرةِ من القرَّاءِ والمبدعينَ في السَّاحةِ العربيَّة، وفي دولٍ أخرى. لقَدْ كتبَ الكثيرونَ عن هذا الفوزِ الكبير، وتحدَّثَ زملاءُ وزميلاتٌ وأصدقاءُ الكاتبةِ إنعام كجه جي، والشَّاعر حميد سعيد، وسلَّطتِ الكتاباتُ الأضواءَ على المنجزِ الإبداعيِّ الكبيرِ للشخصيَّتَيْنِ الأدبيَّتَيْنِ. وبِدُونِ شك، عِندَما يعيشُ الأدباءُ بعيدًا عن بلدهم وبيئتهم، فإنَّ المعتاد أن يتراجعَ إبداعُ المرءِ، خصوصًا في ظلِّ همومِ الوطن، والإيقاعِ المؤلمِ للحياةِ في بلدٍ وقعَ تحتَ الاحتلالِ والتَّداعيات المعروفة، الَّتي عصفتْ بالنَّاسِ على مختلفِ الصُّعد، ممَّا يقفُ حائلًا أمامَ المزيدِ من الإبداع. لكنَّ حالَ سعيد وكجه جي كحالِ مئاتِ المبدعينَ العراقيِّينَ، الَّذين يُعانونَ في الدَّاخل والخارج، لكنَّهم تمسَّكوا بمواصلةِ الكتابةِ تحتَ مختلفِ الظُّروف. كما أنَّ هذه الجائزةَ تُؤكِّدُ سلامةَ المؤسَّساتِ الثَّقافيَّة العربيَّة، ودقَّةَ رصدِها وتقديرِها للَّذينَ رفدوا السَّاحةَ الثَّقافيَّة والإبداعيَّة ـ عراقيًّا وعربيًّا ودوليًّا ـ بعطاءٍ حقيقيٍّ ثرّ. وبقدرِ ما يُؤكِّدُ هذا التَّكريمُ على المتابعةِ الدَّقيقةِ من القائمينَ على الجائزةِ للسَّاحاتِ الإبداعيَّة، فإنَّه يُثبتُ أنَّ الهجرةَ والغربةَ لم تُنسِهِم المبدعينَ، ولم تُؤدِّ إلى تجاوزِ منجزِهم.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي