الجمعة 27 يونيو 2025 م - 2 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

الهجرة النبوية بين الإنجاز والإعجاز «1»

الأربعاء - 25 يونيو 2025 05:37 م

أيها القراء الكرام.. كلما مرَّ علينا عامٌ هجريٌ تذكرنا الهجرة النبوية المباركة، التي كانت وأصبحت وظلت مدرسة تتعلم منها البشرية جمعاء فضلًا عن الأمة الإسلامية، فبها نقل المسلمون من التفرق والاستضعاف التشرذم أثناء وجودهم في مكة المكرمة وحياتهم بين الكفار من قريش.. وغيرهم إلى تجمعهم واتحادهم وقوتهم وعزَّهم ونصرتهم بل ومنعتهم عندما سكنوا المدينة، وكانت تثبيتًا للدين الإسلامي بين الناس، واستظهارًا لليقين الإيماني في قلوب الرسول الله وأصحابه الكرام، وقد كان لهذا الانتقال التأثير الكبير والوقع الخطير والثقة الدائمة في حياة هذه الأمة، وما أجمل مما تحدث عن الله تعالى في كتابه الكريم عن أنها كانت حدثًا عظيمًا مؤيدًا بنصر الله، فحقا كانت نصر من الله، ولا يظن ظانّ أن الهجرة كانت رحلة ترفيهية أو أنها كانت انتقال للعيش المريح، كلا والله!! بل إنها كانت جهاد كبير في الاستعدادات النفسية لكل مؤمن من المؤمنين فضلا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وليجعل الواحد منها نفسه في هذه اللحظة، فلو خيرت ـ أخي الكريم ـ أن تترك بلدك التي ولدت وعشت فيها حياتك، وبها بيتك وأسرتك وعائلتك وقبيلتك ، وحياتك كلها، ثم تجبر على أن تترك كل هذا متسللا في جنح الظلام، وأنت موقن أن لا عودة، بل موقن أيضاً أن رؤية أهلك في تلك اللحظة هي آخر رؤية لهم، وقد لا تلتقي الأعين مرة أخرى، يا لها من لحظة قوية يضطرب لها الفؤاد وينفطر لها القلب، كما أنك مجبر أن تترك أموالك التي قد تضيع وتجارتك التي قد تبور واكتساب عيشك الذي يضيع، وانتقال إلى مكان مجهول قد يكون سعيدًا ولكن الوصول إليه شديد الصعوبة، فالتربص بالمسلمين في كل مكان، إلى غير ذلك من الجوانب الأخرى التي تتردد في أذهان المؤمنين وهم مقدمون على السفر والهجرة من مكة إلى المدينة، حتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يحتاط من هذا السفر، الأمر الذي جعله يتخذ طريقا مختلفا ودليلا للطريق غير المألوف، ويستعمل فريقًا متكاملًا لمعرفة الأخبار وطمث الآثار.. وغيرها، كل ذلك جعل من الهجرة حدثًا غير عادي وأمرًا جللًا صعبًا، ولهذا فقد أجزل الله سبحانه وتعالى الثواب لكل من هاجر في سبيل الله تاركاً دياره وأهله وأمواله وكل شيء، بعد أن عذبوا واشتد إيذاؤهم من المشركين، فصبروا واحتسبوا، وجاهدوا وقاتلو في سبيل الله بإخلاص ومنهم الذين قتلوا في سبيل، ومن هنا لا عجب أن يمتدح الله سبحانه وتعالى المهاجرين في سبيله في آيات كثيرة من القرآن الكريم، ومن ذلك على سبيل المثال، ما وصفهم به سبحانه وتعالى أنهم مؤمنون تحقق الإيمان في قلوبهم فهم المؤمنون حقًّا.. وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف

[email protected]